ماء نجسًا وأنت تعلم نجاسته فإنه يجب عليك أن تنبهه؛ لأنه لو استعمل الماء النجس تلوث به ولم يرتفع حدثه؛ ولهذا قال فقهاؤنا- رحمهم الله-: ويلزم من علم نجاسة ماء أن ينبه من أراد أن يستعمله ويعلمه بذلك.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا شك في صلاته وترجح عنده أحد الأمرين فإنه يبني على ما ترجح عنده لا يبني على اليقين وإنما على ما ترجح؛ ولهذا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "فليتحر الصواب" ثم ليبن عليه:
وعلى هذا فنقول: إذا شككت هل هذه ثلاثًا أو أربع، وكان في ذهنك أن الأربع هما الأقرب ماذا يكون؟ تجعلها أربعًا وتجلس وتسلم وتسجد للسهو بعد السلام، ويتفرع على ذلك قاعدة مهمة وهي: أن العبادات مبنية على الظن لا على اليقين، يعني: أن غلبة الظن في العبادات كافية ولا يشترط اليقين، وهذا في مسائل كثيرة، منها: لو أن الإنسان غلب على ظنه الإنقاء وهو يستنجي أيكفي ذلك أم يقول: لابد أن أتيقن؟ إذا غلب على ظنه أنه أنقى كفى، وكذلك إذا شك في الطواف هل طاف سبعة أشواط أو ستة أشواط؟ وترجح عنده: أنها سبعة فإنه يعمل بالراجح مع أنه ليس يقينًا بل ترجيح، وعلى هذا فقس، فإن هذا الدين يسر؛ لأنه في بعض الأحيان قد يكون اليقين معتذرًا ومتعسرًا، ولهذا كان من رحمة الله بالعباد أن جعل غلبة الظن قائمًا مقام اليقين في باب العبادات، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) وطرده، أما الفقهاء فهم في بعض الأحيان يأخذون بهذا، وفي بعض الأحيان لا يأخذون به، ففي هذا الباب الذي نحن فيه- باب سجود السهو- يقولون: إنه لا يبني على غلبة الظن، بل يجب البناء على اليقين مطلقًا، وفي باب الاستنجاء وإزالة النجاسة قالوا: يكفي غلبة الظن مع أن الأصل بقاء النجاسة، ومع ذلك قالوا: إنه يكفي غلبة الظن، المهم أننا لا نحب أن نأتي بأشياء تضيع المقصود.
مسالة إذا شك الإنسان في صلاته وترجح عنده شيء إما الزيادة وإما النقص ماذا يعمل؟ يعمل بالراجح لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "فليتحر الصواب"، ثم ليبن عليه، "ثم ليتم صلاته" بناء على ما ترجح ثم يسلم ثم يسجد للسهو مرتين ثم يسلم، ويتبين بهذا أن الشك إن كان فيه غلبة ظن أخذ بغلبة الظن وصار السجود بعد السلام، وإن لم يكن فيه غلبة ظن أخذ باليقين وهو الأقل، وصار السجود قبل السلام، والفرق بينهما: أنه إذا كان عنده غلبة ظن فإن غلبة الظن أقوى من الوهم، وما دام الشرع اعتبره صار الوهم أمرًا زائدًا، وإذا كان أمرًا زائدًا فإن القاعدة أن سجود السهو إذا كان عن زيادة فإنه يكون بعد السلام.