في آنية الفضة يبتلع نار جهنم، فهذا يحتاج إلى توقيف، والسلامة أسلم، يكفي المؤمن أن يقال: إنه محرم.
ومن فوائد هذا الحديث: ما ذكرناه سابقا أنه يدل على جواز استعمال الفضة في غير الشرب والأكل، ويدل لهذا أن أم سلمة رضي الله عنها نفسها كان عندها شعرات من شعر النبي - عليه الصلاة والسلام- في جلجل من فضة، والجلجل: أصله الجوس؛ لأنه يتجلجل، لكنه يطلق على إناء صغير مثل الجرس، وهو موجود الآن أوعية صغيرة للكحل تشبه الجرس من بعض الوجوه، فكان عند أم سلمة جلجل من فضة في شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفى بها المرضى، إذا مرض أحد أرسلوا إلى أم سلمة بماء، فصبته في هذا الجلجل الذي فيه الشعرات، ثم حركته ثم أعطته أهل المريض ويشفى بإذن الله؛ لأن هذا من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا خاص به، كما كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عندها جبة للرسول - عليه الصلاة والسلام- هي مكفوقة بالحرير والديباج، وكانت الجبة عند عائشة فلما توفيت عائشة رضي الله عنها أخذتها أختها أسماء، وكانوا يستشفون بها للمرضى؛ لأنها من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبالمناسبة: ذكرت لكم أمس أو قبل أمس، أن أسماء أرسلت إلى ابن عمر تقول: إنه بلغني أنك تحرم العلم في الثوب - يعني: علم الحرير- وأنك تحرم ميثرة الأرجوان، وأنك تحرم صوم شهر رجب كله، الأرجوان: لون أحمر، والميثرة: وطاء يربط على ظهر الحمار من أجل أن يكون ألين للراكب وهي البرذعة، أرسلت إليه مولاها قال: أما ما ذكرت عن صوم رجب فكيف بمن يصوم الدهر كله؛ أصوم الدهر كله كيف أحرم شهر رجب؟ ! إذن صار القول بأنه يحرمه كذب. وأما ما ذكرت من العلم فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحرير: "إنما يلبسه من لا خلاق له"، وإني خفت أن يكون العلم من ذلك؛ فإذن تركه احتياطا وورعا ولم يحرمه. وأما ما ذكرت من الميثرة - ميثرة الأرجوان- فهذه ميثرة عبد الله - يعني: نفسه- فإذا هي أرجوان، فيكون قد حرمها أو أحلها؟ أحلها، فانظر إلى السلف الصالح كيف يتأدب بعضهم مع بعض، ولا يذهب إذا نقل عن شخص ما لم يقله يذهب ينشره بين الناس، لا بل أرسلت إليه تسأله، وتبين أن ما نسب إليه ليس بصحيح، هذه لعلها تكون فائدة أفيد بكثير من الدروس، نحن نقول الآن أم سلمة رضي الله عنها لها جلجل من فضة يستشفى به، وسقنا حديث أسماء بنت أبي بكر من أجل الجبة لما قال لها مولاها: إنه خاف أن يكون العلم داخلا في تحريم