وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم". متفق عليه.
الأول: الإعراب: "الذي يشرب": مبتدأ، وخبره جملة:"إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" أما الحديث فأخبر الرسول - عليه الصلاة والسلام- بهذه الصيغة المركبة من مبتدأ وخبر وهي جملة اسمية، أن الذي يشرب في إناء الفضة له هذا الوعيد يجرجر في بطنه نار جهنم.
والجرجرة: هي صوت الماء إذا سلك مسلكه سواء كان مع المريء أو كان في الأمعاء كما يدل الرسول عليه "في بطنه"، ما قال: في حلقه، والماء معروف أن يتخلل في البطن مع الأمعاء، الجرجرة: هي الصوت، وقوله:"نار جهنم" هل هذا بيان للعمل أو للجزاء؟ للجزاء؛ لأن العمل ماء قد يكون باردا؛ لكن الجزاء هو هذا، وهذا نظير قوله تعالى:{إن الذين يأكلون أموال اليتمى ظلاما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}[النساء: ١٠]. هذا بيان للجزاء، وأطلق الجزاء على الفعل؛ لأنه بسببه.
في هذا الحديث: دليل على أن الشرب في إناء الفضة من كبائر الذنوب، وجه ذلك: حيث رتب عليه وعيد فهو من الكبائر، وتختلف الكبائر عن الصغائر؛ لأنها - أي: الكبائر- لا تكفرها العبادات كالصلاة والصوم وما أشبه ذلك، بل لابد لها من توبة خاصة، وأيضا الكبيرة تخرج الإنسان من العدالة بمجرد فعلها؛ أي: يكون مردود الشهادة غير نافع للولاية حتى يتوب.
ومنها: أن من الأمة من قال: إن فاعل الكبيرة كافر، وإن كان القول ضعيفا، لكن لم يقل أحد من الأئمة - فيما أعلم-: إن فاعل الصغيرة يكون كافرا، إذن الكبيرة أعظم، وهل الكبائر تختلف؟ نعم، لحديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"، فهي تختلف و [هل] من فوائد هذا الحديث: أن الأكل في آنية الفضة من كبائر الذنوب؟ ننظر إذا حرم الشرب هل يحرم الأكل؟ نعم، إلحاق الأكل بالشرب في التحريم ليس عندنا فيه شك، لكن الجزاء هل يكون في القياس، ونقول: إنه إذا جوزي الشارب في آنية الفضة بهذا الجزاء لزم أن يجازى به الآكل في آنية الفضة أو نقول: إن الجزاء قد يكون على حسب الأعمال ظاهرا؛ لأن هناك أعمالا ظاهرها أنها لا تبلغ هذا المبلغ في العقوبة، ولكن يعاقب عليها كثيرا، وهناك أعمال ظاهرها أنها لا تبلغ هذا المبلغ في الثواب عليها ويكون عليها ثواب كثير، بمعنى: أن الجزاء لا يلزم أن يكون مطابقا للحكم هذا لا شك أنه أسلم للإنسان أن يقول: إن الأكل في آنية الفضة محرم قياسا على الشرب، وهذا حكم شرعي. أما الحكم الجزائي: وهو أن الذي يأكل