إذا نظرنا إلى الأحاديث الثلاثة الأول قلنا: إن الحديث عام، وإن أي إهاب نجس يدبغ؛ فإنه يطهر سواء كان هذا الإهاب مما يؤكل لحمه، وكان سبب نجاسته أن البهيمة ماتت أو مما لا يؤكل.
وإذا نظرنا إلى حديث ميمونة وجدنا أن الحديث فيما يؤكل لحمه، ولكن هل نقول: إننا نربط العموم بالسبب، أو نقول: إن ذكر فرد من أفراد العموم لا يقتضي التخصيص؟ هذا محل خلاف بين العلماء؛ منهم من يقول: كل جلد دبغ فإنه يكون طاهرا سواء كان مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل، وبناء على هذا القول لو دبغ جلد الكلب صار طاهرا، جلد الذئب صار طاهرا، جلد الأسد صار طاهرا، جلد الثعبان صار طاهرا، كل جلد يدبغ يكون طاهرا، وبهذا أخذ كثير من العلماء ومنهم الظاهرية، قالوا: كل جلد يدبغ فإنه يكون طاهرا، وهذا القول فيه نوع سعة للناس باعتبار أنه يوجد الآن خفاف كثيرة من جلود الثعابين أو غيرها مما يحرم أكله.
والقول الثاني: أن الجلد لا يطهر بالدباغ وهو مقابل الأول لا يطهر بالدباغ مطلقا حتى وإن كان جلد ما يؤكل، واستدلوا بحديث ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب قبل أن يموت بشهر ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، لكن الحديث ضعيف ولا يدل على النسخ، ولكن هؤلاء قالوا: إنه إذا دبغ تخف نجاسته؛ فيجوز استعماله في اليابس دون الرطب، يعني: يجوز أن تجعله وعاء للحبوب، وعاء للأشياء اليابسة كالدراهم، كالثياب وما أشبه ذلك، أما الرطب فلا؛ لأنه على رأي هؤلاء لا يطهر بالدباغ هو نجس، والنجس إذا لاقى شيئا رطبا نجسه.
القول الثالث: أنه يفرق بين جلود البهيمة التي تباح بالذكاة، وجلود البهيمة التي لا تباح بالذكاة، فجلود البهيمة التي تباح بالذكاة تطهر بالدباغ، وجلود البهيمة التي لا تحل لذكاة لا تطهر بالدباغ.
مثال الأول: جلد الشاة، لو أن شاة ماتت، وسلخوا جلدها ودبغوه، صار الجلد طاهرا يستعمل في اليابس والرطب، في الماء واللبن وكل شيء، ولو أن ذئبا قتل أخذ جلده ودبغ، فإنه لا يطهر يكون نجسا، وعللوا ذلك بأنه إذا كانت الذكاة لا تحل هذا الذئب ولا تطهره، فالدباغ من باب أولى ألا يطهر جلده بخلاف الشاة ونحوها، وهذا القول وسط، يعني: خلاصته