للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، أي: ليقتدي به، وما معني هذا الاقتداء؟

هل هو اقتداء ظاهر وباطن، أو اقتداء ظاهر فقط؟ قال بعض أهل العلم: إنه اقتداء ائتمام ظاهر وباطن، وقال آخرون: إنه ائتمام ظاهر فقط؛ أي: في الجوارح، وينبني علي هذا الخلاف: ما لو اختلفت نية الإمام والمأموم؛ فكان الإمام يصلي الظهر والمأموم يصلي العصر، أو كان الإمام يصلي العصر والمأموم يصلي الظهر، فإن قلنا: إن المراد بالائتمام: الموافقة للإمام ظاهرًا وباطنًا، قلنا: إن هذا الائتمام لا يصح، لماذا؟ لأنه ما وافق الإمام في الباطن، وأما إذا قلنا: بأن المراد به الائتمام في الظاهر- وهو أن يتابع الإمام في أفعال الصلاة- فإنه يصح في هذه الحال أن يكون الإنسان مأمومًا بإمام يخالفه في النية، والقول الثاني هو الصواب، ودليل كونه هو الصواب تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الائتمام حيث قال: "فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين"، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فسر كلامه بنفسه فإنه لا حاجة بنا إلي أن تطلب تفسير كلامه من غيره.

ثم إننا نقول لمن قالوا: إن المراد به الائتمام ظاهرًا وباطنًا: إنكم تقولون: إن الرجل لو صلى نفلًا خلف من يصلي فرضًا لصحت صلاته، فلو أن الإنسان صلى الفجر في مسجد، ثم ذهب إلي مسجد آخر ووجدهم يصلون الفجر فصلي معهم بنية النافلة للإمام فرضًا وهذا اختلاف في النية، ولا يدفع هذا الإيراد أن يقال: إن نية الإمام هنا أعلي من نية المأموم لكونه ناويًا للفرض، والمأموم ناو للنفل؛ لأننا نقول: إن قلتم: إن اختلاف النية مؤثر فلا فرق بين أن تكون النيتان متساويتين أو إحداهما أعلي من الأخرى، ثم إننا نقول أيضًا: إنكم تقولون: لو صلى المأموم صلاة العيد- وهو يري أنها فرض- خلف إمام يري أنها نفل فهنا اختلف نية الإمام والمأموم والصلاة واحدة ومع ذلك تصححون هذا، وهذا دليل علي أن النية لا أثر لها، وهذا هو الصواب، وبناء علي ذلك فإنه يجوز أن يصلي الإنسان الظهر خلف من يصلي العصر أو العصر خلف من يصلي الظهر، أو يصلي العصر خلف من يصلي العشاء، كيف هل يمكن؟ نعم يكون قد صلى العصر محدثًا وهو ناس ثم ذكر عندما حضر لصلاة العشاء وقد أقيمت أنه لم يصل العصر علي وضوء؛ فنقول له: صل العصر الآن خلف الإمام وإذا انتهت الصلاة فصل العشاء، وهذا ممكن، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله نص علي أن الرجل إذا جاء والإمام يصلي التراويح فإنه يجوز أن يصلى خلفه بنية العشاء، وهذا اختلاف في النية وصلاة مفترض خلف متنفل، بل والصلاة نوعها واحد أم لا؟ لا، هذه عشاء صلاة المأموم وصلاة الإمام تراويح نافلة،

<<  <  ج: ص:  >  >>