وقوله:"ولا يؤمن أعرابي مهاجرًا"، الأعرابي: ساكن البادية، والمهاجر: الذي هاجر إلي البلاد وإلي المدن، فالأعرابي لا يؤمن المهاجر؛ وذلك لأن الغالب علي الأعرابي أن يكون أدني قراءة من صاحب المدن، وأن يكون أبعد عن معرفة حدود الله عز وجل كما قال تعالي:{الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله علي رسوله}[التوبة: ٩٧]، وإن كان من الأعراب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله.
الثالث: قال: "ولا يؤمن فاجر مؤمنًا" الفاجر: هو الكافر، لا يؤمن المؤمن. قال الله تعالي: {كلا إن كتب الفجار لفي سجين (٧)} [المطففين: ٧]، وقال تعالي: {كلا إن كتاب الإبرار لفي عليين (١٨)} [المطففين: ١٨]، فالفاجر هو الكافر؛ لأن الكافر لا تصح صلاته، ومن لا تصح صلاته لا تصح إمامته، مثال ذلك: رجل يصلى بالناس لكنه جاحد لتحريم الزنا، أو جاحد لتحريم الخمر، أو يدعي أن لله شريكًا. هذا يكون كافرًا قد أم مؤمنًا فلا تصح إمامته.
والحديث كما قال المؤلف سنده واه، "واه" اسم فاعل من وهي يهي، ومعناه: ضعيف، قال الله تعالي: {وانشقت السماء فهي يومئذ داهية (١٦)} [الحافلة: ١٦]؛ أي: ضعيفة.
الحديث ضعيف، ولكن مع ذلك إذا نزلنا ما دل عليه علي القواعد الشرعية وجدنا أن قوله:"لا تؤمن امرأة رجلًا"، فهذا صحيح؛ لأن المرأة ليست أهلًا لأن تكون إمامًا للرجال، ورأينا قوله:"ولا أعرابي مهاجرًا"، ليس بصحيح بالنسبة إلي أنه لا يصح، وأما أن يكون المهاجر إمامًا للأعرابي فلا شك أنه أولي، ورأينا أن قوله:"ولا يؤمن فاجر مؤمنًا" صحيح؛ لمقتضي الأدلة الشرعية؛ لأن الفاجر كافر لا تصح صلاته، ومن لا تصح صلاته لا تصح إمامته.
فأما إذا كان فاسقًا بدون كفر، فقد اختلف العلماء هل تصح إمامته أم لا؟ فالمشهور من مذهب الحنابلة: أن إمامته لا تصح، وبناء علي ذلك القول لا يصح أن يكون شارب الدخان إمامًا لأنه فاسق، ولا يصح أن يكون حالق اللحية إمامًا لأنه فاسق، ولا يصح أن يكون من يغش الناس أمامًا لأنه فاسق، ولا يصح أن يكون من يغتاب الناس إمامًا لأنه فاسق، ولو أننا قلنا بهذا القول لوجدنا أن أكثر الناس اليوم لا تصح إمامتهم، من الذي يسلم من الغيبة؟ من الذي يسلم من الغش؟ من الذي يسلم من الكذب؟ لو أننا قلنا بهذا القول ما وجدنا إمامًا إلا نادرًا، ولهذا كان القول الراجح: أن الفاسق تصح صلاته، لكن الصلاة خلف العدل أفضل بلا شك، ولهذا كان الصحابة- ومنهم ابن عمر- يصلون خلف أئمة الجور، فهم يصلون خلف الحجاج بن يوسف الثقفي- وهو من أظلم عباد الله ومن أفسق عباد الله- لكنه ليس بكافر، فالصواب: أن الفاسق تصح إمامته كما تصح صلاته، اللهم إلا أن يكون فسقه مخلًا بواجب من واجبات الصلاة كما لو أكل لحم إبل وقيل له: توضأ من لحم الإبل فإنه ينقض الوضوء فلم يقبل قولنا: