بقى أن يقال عن قولنا: إن النية لابد أن تكون مقارنة للتحريمه؟ الجواب أن يقال: أصل نية الصلاة لابد أن يكون فعلها مقارنًا للتحريمة، والتغير هنا ليس في أصل الصلاة، لكنه في صفة الصلاة وليس في أصلها، وهذه الأدلة تدل على أن تغيير الوصف في أثناء الصلاة لا بأس به، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء وهو مريض وصلَّى بالناس بقية صلاة أبي بكر انتقل أبو بكر من كونه إمامًا إلى كونه مأمومًا، وهذا تغير صفة، ففرق بين تغير الصفة وبين تغير الأصل، فالأصل لابد أن يكون من أول الصلاة، ولهذا لو أن إنسانًا في أثناء صلاته النافلة وأراد أن يقبلها إلى فريضة قلنا: لا يصح، ولو كان في أصل الفريضة فأراد أن يقبلها إلى نفل معين كالوتر لا يصلح؛ لأن هذا تغيير لأصل الصلاة.
إذن القول الراجح في هذه المسألة: أنه يجوز أن ينتقل المنفرد إلى كونه إمامًا في الفريضة وفي النافلة.
ويستفاد من هذا الحديث: أن المشهور فيما إذا كان إمام ومأموم أن يكون المأموم عن يمين الإمام. الاستدارة هل هي على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ ذهب بعض أهل العلم -وهوالمشهور من مذهب الحنابلة- إلى أنها على سبيل الوجوب، وأنه لو صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه فصلاته باطلة، وذهب أكثر أهل العلم: إلى أن هذا على سبيل الاستحباب، وأن الأفضل أن يكون عن يمينه ولو صلَّى عن يساره مع خلو يمينه فصلاته صحيحة، الذين قالوا بأنه يجب أن يكون عن اليمين، وأنه لو صلَّى عن اليسار فصلاته باطلة، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أقرَّ ابن عباس على أن يكون في يساره وفعل حركة في الصلاة، وهي أنه تحرك وحرك ابن عباس وهذا عمل في الصلاة، ولا يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يرتكب هذا العمل إلا لأمر واجب، فدل هذا على أن الصلاة على يمين الإمام واجبة، وما كان واجبًا فإن تركه يبطل الصلاة، والذين يقولون: إنه على سبيل الاستحباب قالوا: إن هذا مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، ولو كان هذا على سبيل الوجوب لقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تعد كما قاله لأبي بكرة، فلما لم ينهه عنه بعد انصرافه من الصلاة علم أنه على سبيل الاستحباب، ثم إنهم يقولون أيضًا: الأصل براءة الذمة فلا تشغلها بأمر يلزم المكلف به إلا بدليل، وما دام هذا الدليل محتملًا فإننا لا نلزم عباد الله بشئ محتمل، ثم إننا نقول: الأصل الصحة أيضًا حتى يقوم دليل على بطلانها بكونه عن اليسار، وأجابوا عن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرك ويحرك ابن عباس بأن التحرك لفعل السنن أمر مستحب، حتى ولو كان من أجل فعل السُّنة فإنه أمر مستحب، فهنا نحن نقول: إذا أبعد الصف عنه يدنو من الصف مع أنه على سبيل السُّنة إذا قلنا: بأن المراد به: السُّنة، كذلك أيضًا الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرك لما هو مباح في صلاته