للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حينما حمل أمامة بنت زينب، فكان إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، فليست الحركة دالة على أن ما تحرك من أجله فهو واجب، وهذا القول أصحُّ؛ أي: كونه عن اليمين من باب الاستحباب، وهو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمة الله.

ويستفاد من هذا الحديث: أن المصلي منفردًا خلف الصف صحَّت صلاته، وجهه: أن ابن عباس حينما صار خلف الرسول -عليه الصلاة والسلام- تلك اللحظة صار منفردًا، فلم تبطل صلاته، هكذا استدل به بعض العلماء، وقال: هذا دليل على صحة صلاة المنفرد خلف الصف، ولكن هذا الاستدلال فيه نظران:

النظر الأول: أن ابن عباس لم يستقر في هذا الموضع، فهو مرَّ به مرورًا، أفلا يقال: إنه صلَّى خلف الصف؟

الثاني: أن وقوفه هذا لو فرض أنه وقوف كم أخذ من الصلاة ركعة ركعتين سجدة سجدتين؟

لا شيء، فلهذا لا وجه للاستدلال بهذا الحديث على صحة صلاة المنفرد خلف الصف.

ويستفاد من هذا الحديث: أن موقف الواحد مع الإمام كموقفه في الصف، يعني: أنهما يكونان سواء، على هذا بوَّب الإمام البخاري رحمة الله بأنهما يكونان حذاء سواء لا يتقدم أحدهما على الآخر، وهذا بلا ريب مقتضى النصوص؛ لأننا إذا قلنا: الواحد مع الإمام صف، فما الذي أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصفوف؟ المراصة، والمحاذاة، واستحسان بعض أهل العلم أن يتقدم الإمام في هذه الصورة استحسان في غير محله، قال: ينبغي أن يتقدم ليتبين أنه الإمام، فيقال لهم: تبين أنه الإمام، بماذا يكون؟ بأفعال الصلاة والتكبير والانتقالات، والصواب في هذه المسألة: أنهما يكونان سواء؛ لأنهما يعتبران صفًّا واحدًا، وإذا كانا كذلك فإن الواجب أن يكون أحدهما بحذاء الثاني.

ويستفاد من هذا الحديث أيضًا: أنه تجوز الحركة في الصلاة للمصلحة أو الحاجة، ولكن الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام، يعني: أن تعتريها الأحكام الخمسة: واجبة، ومندوبة، ومباحة، ومكروهة، وحرام، فتكون واجبة إذا توقفت عليها صحة الصلاة، وهذه تشمل مسائل كثيرة، منها: لو قيل له: إن القبلة عن يمينك يجب عليه أن يتحرك، ولو رأى في غترته نجاسة وهو يصلي وجب عليه أن يتحرك لطرحها، هذان مثالان أحدهما لفعل واجب، والثاني للتخلص من محرم، والأمثلة كثيرة، تكون مندوبة إذا توقف عليها فعل المندوب في الصلاة، مثلًا: كالتقدم للمحاذاة في الصف أو يحتاج إلى الحركة للحكة، المهم: أنه إذا كان يترتب عليه فعل مندوب في الصلاة -سواء كان فعل مندوب لتحقيق مصلحة أو للتخلص من الحكة- فهذا للتخلص من المشغل، لو كان أمامه وهو يصلي شيء ملون فتقدم ليزيله حتى لا

<<  <  ج: ص:  >  >>