للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشوش عليه هذه مستحبة، وأما التي لتحقيق مصلحة فما قلتم لتتميم الصف وشبهه، ومثل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس إذا قلنا: إن الوقوف على يمينه على سبيل الاستحباب يكون مباحًا إذا كانت الحركة يسيرة لحاجة، لكن ما تتعلق بالصلاة؛ لأن اليسيرة التي تتعلق بالصلاة مستحبة، مثل: إنسان جاء إليه وقال: أعطني المفتاح كي أفتح أفتح دخل يده في جيبه وأعطاه المفتاح هذا مباح، ومثل إنسان صبيه يصيح وامه تطبخ الغداء وهو يصلي فقال: أعطني إياه وجعله معه يصلي، فينزله إذا سجد ويحمله إذا قام، هذا يكون مباحًا.

ويستفاد من هذا الحديث: جواز الجماعة في النافلة، والنوافل بالنسبة للجماعة تنقسم إلى قسمين: أحدهما: ما تشرع فيه الجماعة كصلاة الاستسقاء، فإنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلَّى الاستسقاء بالناس جماعة، وكذلك صلاة الكسوف على القول بأنها سنة، أما على القول الراجح فإنها واجبة فلا تدخل في هذا التخصيص، وكذلك صلاة الليل في رمضان سنة ثبتت بهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وهدي الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه.

القسم الثاني من التطوع: ما لا تشرع فيه الجماعة، فهذا إن صلَّى الإنسان جماعة فيه على وجه راتب مستمر فهو مبتدع، وكل بدعة ضلالة، وإن فعله أحيانًا فهذا لا بأس به؛ لأنه ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث، والحديث الذي بعده -حديث عتبان بن مالك- فهو جائز ولا بأس به، وبهذا نعرف الفرق بين اتخاذ الشئ مشروعًا دائمًا وبين فعله أحيانًا، وهذا فرق ينبغي للإنسان أن يعتبره، يعني: فعل الشئ أحيانًا قد يسامح فيه إذا كان من الأمور المشروعة، لكن اتخاذه سنة راتبة هذا لا يجوز إلا بدليل، ومن ذلك مثلًا الدعاء بعد النوافل، أو بعد الفرائض يرفع اليدين، فهذه إن فعلها الإنسان أحيانًأ نقول: لا بأس به؛ لأن رفع اليدين في الدعاء من الأمور المشروعة، لكن كونه يتخذه سنة راتبة كلما صلَّى تقول: من أين لك هذا؟ فهو بدعة ينهى عنه، ومنها: أن بعض الناس إذا قدم إليه الطيب يتطيب بالبخور، قال: اللهمَّ صلِّ على محمد كأنه يتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب الطيب فبناء على ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول له: لا تفعل؛ لأنَّ كونك تجعل هذا سببًا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعد من البدعة؛ لأن السُّنة كما تكون بالفعل تكون أيضًا بالترك، فما وجد سببه في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولم يتخذه سنة فاتخاذه سنة يعتبر من البدعة، ومن ذلك أيضًا كون بعض الناس إذا تئاءب قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأن هذا ليس بمشروع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أرشدنا إلى سنة فعلية في هذا المقام وسكت عن السنة التي يزعمها بعض الناس، ماذا أرشدنا إليه؟ الكظم، ثم وضع اليد على الفم إذا لم يستطع، ولم يأمرنا بالتعوذ، لكن بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>