يصح ذكره مطلقًا، وفيما صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- غنّى عما كان ضعيفًا، وبعض العلماء صحح هذا الإسناد أو حسَّنه، وعلى كلا الرأيين يكون الحديث حجة، وهذا ما ذهب إليه فقهاء الحنابلة فقد احتجوا بهذا الحديث، ورأوه إمَّا حسنًا وإمَّا صحيحًا لشواهده، وقالوا: إن الاضطراب الذي في سنده يمكن زواله بترجيح أحد الطُّرق أو إنه اضطراب لا يخل؛ لأنكم تعرفون أن الاضطراب أحيانًا لا يخل إذا كان لا يتعلق بأصل المعنى مثل حديث فضالة بن عبيد حين اشترى قلادة باثنى عشر دينارًا، ففصلها فوجد فيها أكثر فاختلفوا في قيمة هذه القلادة، ومثل ذلك اختلافهم في قيمة جمل جابر، لكن لما كان هذا الاختلاف لا يتعلق بأصل الحديث، قال العلماء: إنه لا يضر؛ لأن المحدثين لا يهتمون بالشئ الذي لا يتعلق بأصل الحديث فربما نسوه فحدّث بعضهم بكذا، وبعضهم بكذا.
على كل حال: هذا الحديث عند أصحاب الإمام أحمد حديث تقوم به الحجة، وينفذ به الحكم.
يقول:"رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده"، "وحده" حال من فاعل يصلي، "وخلف الصف" أيضًا ظرف وهو في موضع نصب على الحال: "يصلي حال كونه خلف الصف"، وحال كونه وحده، "فأمره أن يعيد الصلاة" الفاء هنا للسببية، يعني: أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعيد الصلاة التي صلاها خلف الصف.
الحديث واضح، ولكن هل الصف تام أم لم يتم؟ يحتمل أن يكون تامًّا، ويحتمل أن يكون غير تام، إن كان غير تام فإن بطلان صلاته واضح؛ لأنه صلى وحده بدون عذر، وإن كان تامًّا فإنه على رأي بعض أهل العلم أيضًا تبطل الصلاة ولو كان الصف تامًّا، وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال، فلا يمكن أن يستدل بهذا الحديث على أن من صلى خلف الصف ولو كان الصف تامًّا بطلت صلاته؛ وذلك لأن الحديث ما بين فيه، بل قد يتراءى للإنسان يصلي خلف الصف وحده، كلمة "وحده" قد يتراءى للإنسان أن الصف الذي سبقه لم يتم ولكن هذا ضعيف.
فالحاصل: أن عندنا الآن أن الصف تام احتمال، وأن الصف لم يتم احتمال آخر، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر الرجل أن يعيد الصلاة لا لكونه صلى وحده، ولكن لسبب آخر؛ لأن القضية عين، وليست كلامًا عامًا، قضية أنه رأى رجلًا يصلي خلف الصف، "فأمره أن يعيد الصلاة" يحتمل أمره لأنه رآه أخل بشئ آخر فأمره أن يعيد لأجله، هذا الاحتمال وارد لكنه ضعيف يضعفه أن الفاء في قوله:"فأمره" تشي للسببية، ولو أحلنا سبب الأمر على أمر غير موجود لكنا ألغينا سببًا موجودًا وادعينا سببًا غير موجود، انتبهوا لهذه؛ لأننا سننتقل إلى حديث آخر أعظم منه خطورة، من ادعى أن قوله:"فأمره أن يعيد الصلاة" إنما هو لسبب آخر غير كونه