للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى خلف الصف نقول: هذا ضعيف لا يصح، لماذا؟ لأنه ألقى السبب الموجود وادعى سببًا غير موجود مفقود، نظير هذا ما ثبت في الصحيحين: "أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها". هذا لفظ حديث، الحنابلة يقولون: في هذا دليل على أن جاحد العارية يقطع، من استعار شيئًا ثم جحده وثبتت عنده قطعت يده، حجتهم: أن السبب الذي جاء مرتبًا عليه الأمر بالقطع هو جحد العارية، ومن لا يرى ذلك وهم الأئمة الثلاثة يقولون: إنها قطعت بغير هذا كانت تستعير المتاع فتجحده فسرقت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، وهذا ضعيف؛ لأن فيه إلغاء للسبب الموجود المذكور، وادعاء لسبب مفقود غير موجود، ولو كانت العلة السرقة لما كان لقوله: "كانت تستعير المتاع فتجحده" فائدة إطلاقًا، هم يقولون: إن فائدته التعريف إنها المرأة المعروفة التي تستعير وتجحد، وأن هذا المقصود تعيينها، فيقال: فلانة بنت فلان، وهذا أبلغ في التعيين من قوله: "امرأة مخزومية تستعير المتاع فتجحده".

المهم: أنه لا شك أن عندنا في هذا الحديث أن سبب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أن يعيد الصلاة أنه صلى وحده خلف الصف، يبقى النظر الآن فيما إذا كان هناك احتمال أن يكون الصف تامًّا أو غير تام، وهذا منشأ الخلاف بين شيخ الإسلام ابن تيمية والمشهور من المذهب، المشهور من المذهب أنهم يقولون: إنه تبطل صلاته مطلقًا اتم الصف أو ما تم ويلزمه الإعادة، وشيخ الإسلام يقول: إذا كان الصف تامًّا فإنه لا يلزمه الإعادة.

في هذا الدليل على وجوب تعليم الجاهل، أما على النبي صلي الله عليه وسلم فلا شك أنه واجب ولوو كان أمرًا مستحبًّا؛ لأنه لو لم يبلغ الناس بالأمر المستحب فلا يعرفونه، لكن الكلام هل نأخذ من هذا الحديث وجوب تعليم الجاهل بالنسبة لغير الرسول؟ نقول: إنه لا يؤخذ، لأن المعروف عن الأصوليين أن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب، لكننا نأخذ وجوب تعليم الجاهل من دليل آخر من قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الَّذين أوتوا الكتاب لتبيننَّه للنَّاس ولا تكتمونه} [آل عمان: ١٨٧].

ومن فوائد هذا الحديث: بطلان صلاة المنفرد خلف الصف؛ لقوله: "فأمره أن يعيد الصلاة"، وهذا هو الصحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بصحة صلاة المنفرد وحملوا الأمر بالإعادة هنا على أنه ليس للوجوب ولكن للإستحباب، والصواب أنه للوجوب.

ويستفاد من هذا الحديث: وجوب المصافة؛ لأن الإلزام بإعادة الصلاة لتركها يدل على وجوبها وهو كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>