منفردات عن الرجال، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد؛ حيث قالوا: إنه يسن إقامة الجماعة للنساء بشرط أن يكن منفردات عن الرجال، وقال بعض العلماء: إن هذا الحديث لا يصح، وأنه لا يشرع للنساء أن يصلين جماعة، نعم يباح لهن الخروج مع الرجال لكن لا يشرع. فالمسألة ليست بتلك القوة التي يجزم الإنسان فيها باستحباب صلاة النساء جماعة؛ لأن مثل هذه المسألة مما تتوفر الدواعي على نقله لو أنها ثبتت، وإنما الجماعة للرجال كما ثبت في الحديث الأول عن أبي هريرة:"أنطلق إلى رجال لا يشهدون الجماعة"، فالأصل في مشروعية الجماعة للرجال، فإن صلين جماعة فهذا خير، ولا ينكر عليهن، وإن لم يفعلن فلا يقال إنهن تركن مشوعًا، وأكثر ما ينتفع النساء في ذلك إذا كن في مدرسة كما يفعلن الآن، فإن النساء في المدارس يصلين جماعة، ويكون في هذا خير؛ لأنهن يتعلمن كيفية الصلاة المشروعة بالطمأنينة وعدم السرعة ويألف بعضهن بعضًا، وهذا الآن هو الموجود؛ يعني: أنهن يصلين جماعة.
حكم إمامة الأعمى:
٤٠٣ - وعن أنس رضي الله عنه:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أمِّ مكتوٍم، يؤمُّ النَّاس وهو أعمى". رواه أحمد، وأبو داّود.
"ابن أم مكتوم" اسمه: عبد الله، وقيل: عمر، وكان أحد المؤذنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"استخلفه يؤم الناس" أي: يصلي بهم إمامًا، استخلفه على أي شيء؟ على المدينة، استخلفه -عليه الصلاة والسلام- عدة مرات -إذا خرج في غزو- على المدينة في رعاية شئون الناس، وكذلك أيضًا في إمامتهم، وكذلك قوله:"وهو أعمى" هذه جملة حالية حال من المفعول به في قوله: "ابن أم مكتوم"، ويجوز أن تكون حالًا من فاعل "يؤم"، والحال أنه أعمى لكننا إذا جعلناها حالًا من المفعول صارت أعم، يعني: صاررت وصفًا له في الاستخلاف وفي الصلاة؛ أي: الإمامة.
فيستفاد من هذا الحديث: جواز استخلاف الأعمى في الحكم.
ويستفاد منه: ضعف من اشترط في القاضي أن يكون بصيرًا، وهذا هو المشهور من المذهب، أي: أنه يشترط أن يكون القاضي بصيرًا، وأن قضاء الأعمى لا يصح إلا إذا دعت إليه الضرورة، وهذه المسألة هل عليها عمل الآن أو لا؟ لا، ليس عليها عمل الآن؛ لأن المسلمين الآن يولون القضاء من هو أعمى، وإن كان يوجد غيره، وهذا هو الصحيح؛ بمعنى: أنه يجوز تولية القاضي وهو أعمى كما استخلف الرسول -عليه الصلاة والسلام- ابن أم مكتوم وهو أعمى.