للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الفريضة الأولى، لكن بالنسبة إلى صلاة الحضر التي زيد فيا إلى الأربع صارت قصرًا، والله عز وجل يقول: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصَّلاة} [النساء: ١٠١].

وقولها: "أقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر" في بعض الألفاظ: "وزيد في صلاة الحضر" وهو أوضح من قولها: "وأتمَّت"، لكن قولها: "وأتمت" أيضًا على سبيل الأمر النسبي، "أتمت" باعتبار أن صلاة السفر ركعتان.

في هذا الحديث تذكر عائشة رضي الله عنها أن الصلاة لها مرحلتان:

المرحلة الأولى: تساوي صلاة الحضر والسفر بأن كانت الصلاة كلها ركعتين ركعتين.

والمرحللة الثانية: الزيادة في صلاة الحضر، وبقاء صلاة السفر على الفرض الأول.

يستفاد من هذا الحديث، أولًا: مشروعية القصر في السفر، وقد تدل عليه قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصَّلاة}. وهذه المشروعية هل هي على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب المؤكد الذي يكره تركه أو على سبيل الاستحباب الذي لا يكره تركه؟ في هذا خلافٌ بين أهل العلم؛ فقد ذهبت جماعة منهم أهل الظاهر وأبو حنيفة إلى أن هذه المشروعية مشروعية وجوبن وأن المسافر يجب عليه القصر، واستدلوا بهذا الحديث قالوا: لأن حديث عائشة واضح في أن صلاة السفر بقيت على الفريضة الأولى، فكما أنك لا تصلي في الحضر خمسًا فلا تصلي في السفر أربعًا يعني: كل فريضة.

استدلوا أيضًا بأن الصحابة -رضي الله عنهم- أنكروا على عثمان إتمامه الصلاة في منّى، فإن عثمان رضيالله عنه بقى في خلافته ست أو ثمان سنوات يقصر الصلاة، ثم بعد أتم، وخلافته كانت اثنتي عشرة سنة، ولكن الصحابة أنكوا عليه ذلك واعتذروا له، حتى إن ابن مسعود قال لما بلِّغ بهذا الأمر: "إن لله وإنَّا إليه راجعون" فجعل هذا من المصائب التي يسترجع منها.

واستدلوا أيضًا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أسفاره ما أتم ولو يومًا واحدًا، بل كل أسفاه كان يقصر الصلاة، ولولا أن هذا على سبيل الوجوب ما حافظ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لكان يفعل سواه يومًا من الأيام ليبيِّن للناس أنه ليس بواجب، أو يقول للناس: إنه ليس بواجب.

أما الذين قالوا: إنه مشروع على سبيل التأكيد بحيث يكره تركه فاستدلوا بهذا الحديث قالوا: إن المقصود لا يجوز تركه لكن نظرًا للخلاف في هذه المسألة نجعل الإتمام من باب المكروه وليس من باب المحرم، واستدلوا بأن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصَّلاة إن خفتم أن يفتنكم الَّذين كفروا} [النساء: ١٠١]. فشرط الله تعالى لجواز القصر الخوف، فقالوا: إن عمر سأل الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن هذا الشرط كيف نقصر ونحن آمنون، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>