وعن عمران بن حصين رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة". متفق عليه، في حديث طويل.
هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه مطولا، وفيه: أن النبي - عليه الصلاة والسلام- كان مع أصحابه، وأنهم أصابهم عطش، وأنه أرسل رجلين يستقيان، فوجدا امرأة على بعير لها بين مزادتين، والمزادة: هي قربتان يخاط بعضهما ببعض ويجعل بينهما صفيحة من أجل أن تحمل ماء أكثر، فسألاها عن الماء. قالت: عهدي بالماء أمس مثل هذه الساعة، يعني: بينهم وبين الماء يوم وليلة، فدعواها إلى أن تأتي رسول الله صلى الله عليه سلم وقالا: اذهبي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: قالت: من الرسول صلى الله عليه وسلم أو هم الصابئ؛ -لأن المشركين يسمونه الصابئ، والصابئ: هو الذي خرج عن دين قومه-؟ فقالا: هو الذي تعنين، ولم يقولا هو الصابئ، أتيا بها النبي - عليه الصلاة والسلام- وأنزلا المرأة والنبي - عليه الصلاة والسلام- فتح أفواه المزادتين ونفث فيهما، ثم أمر الناس فاستقوا وشربت الإبل وكانوا نحو ثمانين رجلا أو أكثر، ثم أمر لها بطعام فجيء بطعام لها تمر وحب ودقيق، ثم أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن تنصرف إلى قومها ولم تنقص مزادتاها شيء، عادت كأنما هي بالأمس ثم ذهبت إلى قومها فسألوها لماذا تأخرت؟ قالت: صادفت كذا وكذا، وإني جئتكم من أسحر الناس، أو ممن هو صادق في قوله أنه نبي.
هذا هو الحديث وهو أطول مما ذكرت لكن هذه خلاصته، فصار الصحابة - رضي الله عنهم- يغزون ما حولها ولا يأتون صرمها؛ يعنى: قومها، وفي النهاية أسلموا ببركة ما حصل لها من الماء الذي سقي منه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
يقول:"توضئوا من مزادة امرأة مشركة"، عرفنا المزادة الآن أنها عبارة عن قربتين بينهما صفيحة، ومعلوم أن القرب مأخوذة من ذبائح المشركين، وذبائح المشركين ميتة؛ لأنه لا يحل من ذبائح غير المسلمين إلا ذبائح أهل الكتاب، وإذا كانت ميتة فهي نجسة، وإذا كان الرسول - عليه الصلاة والسلام- وأصحابه توضئوا من هاتين المزادتين وهما جلود ميتة؛ لأن الذي ذكاها الكفار دل ذلك على أن الجلد - أعني: جلد الميتة- يطهر بالدباغ، ولولا ذلك لكان الماء نجسا وما جاز الوضوء به، ومن أجل ذلك ساق المؤلف هذا الحديث في باب الآنية.
يؤخذ من هذا الحديث فوائد منها: جواز استنزال صاحب الماء عند الضرورة؛ لأن الصحابة أتوا بها إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام- واستنزلوها وقالا: انزلي عن البعير، فنزلت وتصرفوا في مائها.