للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستفاد من الحديث: أن العالم مهما بلغ علمه فإنه قد يخطئ؛ لأن عائشة لا شك أنها من علماء الصحابة، وكان الصحابة يرجعون إليها في أشياء كثيرة من العلم لاسيما فيما يختص بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم الباطنة، ومع ذلك فإنها قد تتأول وتخطئ، فهي تأولت كما تأول عثمان رضي الله عنه في مسألة الإتمام في منى.

٤٠٩ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته". رواه أحمد، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.

- وفي روايةٍ: "كما يحب أن تؤتى عزائمه".

هنا ثلاث مسائل رخص، ومعاصٍ، وعزائم:

أولًا: يقول: "أن الله تعالى يحب". كلمة "تعالى" ما معناها؟ من العلو حسًا ومعنى، فإن الله تعالى قد ثبت له العلو الذاتي بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، كل الأدلة الخمسة متفقة على أن الله - سبحانه وتعالى - فوق خلقه، وأن له العلو المطلق كذلك أيضًا العلو المعنوي وهو التعالي عن كل نقص وعيب، فإنه - سبحانه وتعالى - منزه عن كل نقص وعيب، فصفاته كلها عليا ليس فيها نقص، وقد سبق لنا أن كلمة "تعالى" أبلغ من كلمة "على"؛ لأنها تدل على التنزه، تفاعل يعني: ترفع وتقدس عن السفول والنزول.

وقوله: "يحب أن تؤتى رخصه". "يحب" ما معنى المحبة؟ المحبة عند أهل السنة والجماعة محبة حقيقية تليق بالله - سبحانه وتعالى - وهي صفة غير صفة الإرادة.

وذهب أهل التأويل - من الأشاعرة وغيرهم - إلى أن المراد بالمحبة: إما إرادة الإنعام والثواب، وإما الثواب نفسه، ولا يثبتون له - سبحانه وتعالى - محبة حقيقية، لماذا؟ يقولون: لأن المحبة ميل الإنسان إلى ما فيه جلب منفعة أو دفع مضرة، والله عز وجل منزه عن هذا.

ولكننا نقول لهم: هذا الذي تفسرونه بالمحبة هو لازم المحبة عند المخلوق، أما الله عز وجل فإنه يحب الشيء لكمال جوده وكرمه لا لأنه ينتفع بهذا الشيء، فإن الله يقول في الحديث القدسي: "إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني".

إذن نقول: المحبة: صفة ثابتة على وجه الحقيقة لله عز وجل، ولكنها هل تشبه محبة المخلوق للمخلوق؟ لا؛ لأن الله تعالى يقول: } ليس كمثله شيء وهو السميع البصير {[الشورى: ١١].

<<  <  ج: ص:  >  >>