للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل ما أثبته الله لنفسه من الصفات التي تتفق مع صفات المخلوق في الاسم فإنها تفارق صفة المخلوق في الحقيقة؛ لأن الله يقول: } ليس كمثله شيءٌ {.

لماذا نفوا حقيقة المحبة؟ لأنهم يزعمون أنها تقتضي تشبيهًا وتمثيلًا، والتشبيه والتمثيل نقص، ولكننا نقول: إنها لا تقتضي تشبيهًا، فأنتم الآن تثبتون الإرادة، ومع ذلك تقولون: إنها لا تستلزم التشبيه وإنها إرادة تليق بجلاله، فنقول: أي فرق بين الأمرين؟ ليس بينهما فرق إلا قولكم بالتحكم لعقول ليس لها أصل تبني عليه.

وقوله: "رخصه" الرخص جمع رخصة وهي في اللغة: السهولة، يقال: رخص له؛ أي: أذن له وسهل، وفسرها بعض العلماء بأن الرخصة: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، ولكن هذا التعريف يجعلها مشكلة، والصواب، أن الرخصة في الشرع هي الرخصة في اللغة وأنها السهولة، فيحب الله عز وجل أن يأتي العباد ما سهل به عليهم كما يكره أن تؤتى معصيته.

وقوله: "كما يكره" يحتمل أن تكون الكاف للتشبيه، يعني: محبته لهذا ككراهته لهذا، ويحتمل أن تكون للتعليل؛ يعني: كما أنه يكره أن تؤتى المعصية فإنه يحب أن تؤتى الرخص، وقوله: "كما يكره" المراد بالكراهة: البغض وهو الكراهة الحقيقية، وفسرها أهل التأويل بأن المراد بها: إرادة الانتقام والعقوبة، وكل هذا - كما ذكرنا قبل قليل - من التأويلات التي هي خلاف ظاهر اللفظ والمعنى الذي من أجله أولوا هذه النصوص ثابت فيما أثبتوه أيضًا.

وقوله: "أن تؤتى معصيته"، ما هي المعصية؟ هي الخروج عن الطاعة، يعني: مخالفة الأمر في المأمورات والوقوع في المنهي عنه في المنهيات، وهل تشمل المكروه والحرام؟ يعني: لو ورد نهي على سبيل الكراهة فخالفه الإنسان هل نقول: إنه عاصٍ، أو نقول: مخالف للنهي؟ مخالف للنهي بالاتفاق لا شك فيه، وأما العاصي فأكثر أهل العلم يقولون: إن المعصية لا تكون إلا في الشيء المحرم ولا نطلق على من فعل مكروهًا بأنه عاصٍ.

وقوله: "عزائمه" جمع عزيمة، بمعنى: معزومة، كفعيل معنى مفعول، والمعزوم: الشيء المؤكد، ومنه العزم "عزم الإنسان" العازم: يعني بإرادة مؤكدة، فالعزائم إذن: جمع عزيمة وفي الشيء المؤكد مثل المفروضات والواجبات هذه عزائم لفعلها، والمحرمات أيضًا عزائم لتركها، لكن هنا "كما يحب أن تؤتى عزائمه" لا شك أن المراد بها: المأمورات دون المنهيات والمحرمات؛ لأن الله لا يحب أن تؤتى عزائمه المنهية.

من فوائد الحديث: أولًا: كمال الله عز وجل بعلوه الذاتي والوصفي لقوله: "تعالى".

وثانيًا: إثبات المحبة لله.

وثالثًا: سعة كرمه وجوده؛ حيث يحب من العباد أن يأتوا الرخص.

<<  <  ج: ص:  >  >>