ورابعًا: أنه ينبغي للمسافر أن يترخص برخص السفر، وهذا وجه الشاهد من هذا الحديث. فإذا قال قائل من المسافرين: أنا لا يشق علي الإتمام فلا إثم؟
نقول له: هذا خلاف ما يحبه الله، فالله تعالى يحب منك أن تأتي رخصه.
لو قال: أنا لا أريد الجمع مع أنه قد جد به السير.
نقول له: إن الذي يحبه الله منك أن تجمع؛ ولهذا كان القول الصحيح - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - أن الجمع للمسافر عند الحاجة وغيرها أيضًا أفضل من عدم الجمع وأننا لا نعبر فنقول يجوز للمسافر أن يجمع إلا إذا كان ذلك في مقابلة المنع فلا بأس، إنما الصحيح: أنه يستحب أن يجمع إذا دعت الحاجة إليه.
ومن فوائد الحديث: إثبات أن الله تعالى يكره أن يعصى، وهذا يستلزم فائدة وهي: أن يبتعد الإنسان عن معصية الله ما دام يعلم أن الله يكرهها، فإنه لا يليق به وهو مؤمن بالله عز وجل أن يفعل ما يكرهه الله، لو أن أحدًا من المخلوقين تعلم أنه يكره أن تفعل شيئًا من الأشياء وهو عزيز لديك هل تفعل ذلك؟ لا؛ لأنه يكرهه، فالرب عز وجل أولى أن يستحي الإنسان منه ولا يقع في معصيته.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن فعل الرخص كفعل الواجبات بناء على الرواية الثانية لقوله: "كما يحب أن تؤتى عزائمه"، فهل نقول: إنه يدل على وجوب الترخص؟ نقول: لا ما يدل على وجوب الترخص؛ لأنه لو وجب الترخص لكان من العزائم، وقد علم الفرق بين المشبه والمشبه به، وأن المشبه غير المشبه به، فلو أوجبنا الرخص لكانت عزائم ولما كانت رخصًا في الواقع؛ لأن العزيمة الشيء المؤكد الذي لابد من فعله ما يستطيع الإنسان أن يتخلص منه، رخص السفر التي شرعها الله: القصر، والجمع، والفطر، والرابع مسح الخفين ثلاثة أيام، وسقوط الجمعة عن المسافر، كذلك قال بعض العلماء: من رخص السفر أكل الميتة، والصواب: أن أكل الميتة لا يختص بالسفر، والصواب: أن الإنسان لو اضطر لأكل الميتة ولو في الحضر فله أكلها؛ لأن الله يقول: } فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه {[البقرة: ١٧٣].
تحديد مسافة القصر:
٤١٠ - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميالٍ أو فراسخ، صلى ركعتين". رواه مسلم.
هذا الحديث اختلف العلماء في معناه، وفي حكمه، قوله:"ثلاثة أميال" الأميال: جمع ميل وهو مقدر بالأذرع وبالأمتار، كم الميل بالأمتار الآن؟ أكثر من كيلو ونصف (١٧٠٠) متر تقريبًا،