للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن أحس بفقد الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما سكت إلا لما نزل الرسول- عليه الصلاة والسلام- من المنبر وأسكته، وهذا المنبر صنع له على ثلاث درج، ولما صنع له صار يخطب عليه- عليه الصلاة والسلام- وبقي في عهد أبي بكر، وعهد عمر، وعثمان، وعلي، وأول زمان معاوية، وزعم بعض المؤرخين- وأخشى أن يكون من دسائس الرافضة- أن معاوية طلب من مروان أن ينقل منبر الرسول- عليه الصلاة والسلام- إلى الشام، ويقال: إنه لما همَّ بذلك حصل في المدينة ظلمة حتى شوهدت النجوم ولمّا رأى ذلك مروان أظهر للناس أنه لا يريد أن يقلعه ويذهب به إلى الشام وإنّما يريد أن يزيده، فزاده من ثلاث إلى ست درجات، وبقي على هذا حتى احترق المسجد سنة (٦٥٤) هجرية، ثم بعد ذلك احترق مع المسجد، وصار الخلفاء كل واحد منهم يأتي بمنبر حتى وقتنا هذا.

فالشاهد أن قوله: "على أعواد منبره" نقول: المنبر هو عبارة عن ثلاث درج من الخشب من الأثل اتخذه النبي- عليه الصلاة والسلام- ليخطب عليه.

يقول: "لينتهين" اللام هذه موطئة للقسم، والنون للتوكيد، والتوكيد هنا واجب أو كثير أو قليل؟ واجب لمام الشروط الأربعة فهو مثبت وفي قسم ومستقبل ولم يفصل عن لامه فيكون هنا التوكيد واجبًا، "لينتهين أقوام" أقوام: نكرة ولم يبينها الرسول- عليه الصلاة والسلام- لأن من عادته أنه لا يعين أحدًا حتى وإن كان يعلمه مع أنه جاء في الحديث يُحتمل أن يعلمه أو لا يعلمه، على كل حال من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يعيّن أحدًا ولو كان يعلمه، ولهذا في قصة بريرة التي كاتبها أهلها وأرادت عائشة أن تشتريها وتشترط الولاء لها فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فاستأذنت عائشة النبي- عليه الصلاة والسلام- خطيبًا في الناس فقال: "ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله"، وهو يعلمهم لكن هذه من عادته؛ لأن تعيين الإنسان في مثل هذه المقامات تجريح له في الواقع، وليس المقصود أن يجرح الشخص، ولكن المقصود أن يبين الحق وأن هذا باطل فلا يجوز، والتجريح في المقامات العامة هذا لا يصلح به مصلحة أبدًا، لأن الإنسان إذا عين شخصًا ربما يحمل على أن العداوة شخصية، وأراد أن يشهر به، انظروا إلى مؤمن آل فرعون: {وقال رجل مؤمن من أل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله} [غافر: ٢٨]. لم يقل: أتقتلون موسى؛ لئلا يُتهم بأن دعوته إلى الحق دعوة شخصية عصبية، وهذا من حسن الدعوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>