يقول: "عن ودعهم الجمعات" "ودع" هذا مصدر فعله "ودع" الماضي، والمضارع "يدعُ" والأمر "دع"، وهذا المصدر قليل مثلى إذا قلت: "يذرهم"، هذه فعل مضارع، والماضي "وذره"، والأمر "ذر"، والمصدر "وذر" هذه قليلة، "عن ودعهم الجمعات".
"ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" الختم بمعنى الطبع، وسمي ختمًا مثل ما يختم الإنسان على الظرف لزيادة التوثقة، والمعنى: أنه- والعياذ بالله- يختم على القلب في غلاف لا يصل إليه خير قط، لأنهم تركوا الجمعيات يقول: "ثم ليكونن من الغافلين" هذه نتيجة الطبع أو الختم: الغفلة عن ذكر الله وعن آياته، والغفلة عن ذكر الله وآياته تستلزم أن يكون أمر الإنسان فرطًا ما يستفيد من وقته، ولا من عمره، {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هوته وكان أمره فرطًا} [الكهف: ٢٨]. ضائعًا والعياذ بالله.
هذا الحديث يستفاد منه عدة فوائد:
أولًا: التحذير من ترك الجمعة من قول: "لينتهين أو ليختمن الله".
ثانيًا: أن ترك الجمعات من كبائر الذنوب، من أين تؤخذ؟ من الوعيد عليه، وكل ذنب فيه وعيد فإنه من كبائر الذنوب.
ثالثًا: أن الجمعة فرض عين ما الدليل؟ لأنها لو كانت فرض كفاية لاكتفي بالحاضرين ولم يكن على التاركين إثم.
رابعًا: مشروعية الخطبة على المنبر لقولهما: "على أعواد منبره".
خامسًا: أنه ينبغي في الأحكام العامة أن تكون علنًا مظهرًا؛ لأن الرسول أظهرها في خطبة الجمعة.
والسادس: أنه ينبغي في الخطب أن يذكر فيها ما يناسب المقام؛ لأن خطبة الجمعة من أهم ما يذكر فيها الحث على الجمعة والتحذير من إضاعتها.
ومن فوائد الحديث: الرد على الجبرية، من أين يؤخذ؟ من قوله: "لينتهين"، وقوله: "ودعهم" كل هذا إضافة الفعل إلى الفاعل، وهذا أمر معلوم والحمد لله، كل إنسان يعرف أنه يفعل بالاختيار ويدع بالاختيار.
ومن فوائد الحديث: إثبات الأسباب، من أين تؤخذ؟ من قوله: "لينتهين أو ليختمن الله" فيجعل النبي- عليه الصلاة والسلام- ترك الجمعة سببًا للختم على القلب.
ومن فوائد الحديث: أن الله عز وجل لا يجازي الإنسان بالإقدام على المعصية إلا حيث كان الخطأ منه- أي: من الإنسان-، الختم على القلب حتى يصبح الإنسان غافلًا، هذه عقوبة عظيمة ما سببها؟ سببها الإنسان في ودعه الجمعات، ولهذا قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: ٥]. فجعل سبب إزاغته زيغهم هم، ولكل شيء سبب.