مع ذلك قد يكون هناك أحوال توجب للخطيب أن يقصر الخطبة عن هذا، وربما تأتي أحوال نادرة تحتاج إلى توضيح أكثر بأن يكون الأمر ضروريًّا أن يبين في هذه الخطبة لا في خطب أخرى مقبلة فيزيد، فالمهم: أن الأفضل أن تكون خطبة الرجل كخطبة النبي صلى الله عليه وسلم.
نرجع إلى قولها:"ما أخذت {ق والقرآن والمجيد} إلا عن لسان الرسول"، قولها: ق والقرآن المجيد" (ق) هذا حرف هجائي، وقد افتتح الله بها هذه السورة كما افتتح بحروف الهجاء عدة سور من القرآن، وسبق لنا في التفسير أن العلماء اختلفوا في هذه الحروف، هل لها معنى أو ليس لها معنى، وبيَّنا أن الصواب أنه ليس لها معنى لكن لها مغزى، وهذا قول مجاهد رحمه الله إمام المفسرين التابعين، وإنما التزمنا بذلك؛ لأن الله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين، ومثل هذه الحروف لا معنى لها في اللغة العربية، فإذن لمقتضى كون القرآن بلسان عربي مبين نجزم بأنه لا معنى لها، ولسنا بذلك مغامرين أو قائلين بلا علم لأنه قد يقول قائل: فما أدراكم فلعل لها معنى الله أعلم به فلماذا تجزمون؟ نقول: نجزم بمقتضى إخبار الله عز وجل عن هذا القرآن بأنه بلسان عربي مبين، وهذه في اللسان العربي المبين ليس لها معنى، لكن كما قال شيخ الإسلام وغيره:(لها مغزى).
وقولها: "والقرآن المجيد" هذه الواو حرف قسم وجر، والقرآن مقسم به، قد وصفه الله تعالى هنا بالمجيد، والمجد هو: العظمة؛ ولهذا لما قال المصلي:{مالك يوم الدين}. ماذا قال الله تعالى في جوابه؟ قال: "مجدتني عبدي"، وتقول العرب: "في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار". استمجد يعني: صار أقوى وأعظم؛ ولهذا يستعملون هذين النوعين من الشجر في القدح فيما سبق، أمّا الآن فالحمد لله قد تغير الحال وتيسر الأمر، والشاهد هنا أن الله وصف القرآن بأنه "مجيد" أي: ذو عظمة، وكل وصف للقرآن من المجد والعظمة والكرم كله يكون أيضًا لمن أخذ بالقرآن، فمن أراد العظمة فعليه بالقرآن، ومن أراد الكرم في قوله وماله وجاهه فعليه بالقرآن، فالقرآن الكريم مدرٌّ لكل خير لمن تمسك به، وهو أيضًا مجيد ذو عظمة يرفع من تمسك به، إذن هذا الكلام على الآية، وإن كان هذا موضع تفسير، لكن لا بأس أن تفسر بعض الشيء، تقول: "ما أخذتها إلا على لسان رسول الله يخطب بها".
يُستفاد من هذا الحديث: أولًا: أن النساء يحضرون الجمعة، ولنقف هل دل الحديث على هذا أو لا؟ ما يتعين، لماذا؟ لأنها قد تسمع بدون أن تحضر، إذن ما دام فيه احتمال فإنه يسقط له الاستدلال، فلا يمكن أن نستدل بهذا الحديث على أن النساء يحضرن الجمعة، لأنّها قد تسمعها من الخارج كما يوجد عندنا الآن، لكن في زمن مضى كان يخصص للنساء حجرة عند المنبر يسمعن الخطبة.