ويستفاد من هذا الحديث: مشروعية الخطبة بهذه السورة، يؤخذ من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذه السورة سورة عظيمة فيها مبدأ الخلق، ومنتهى الخلق، ومبدأ الحياة، ومنتهى الحياة، وفيها أيضًا أخبار وقصص، وفيها تحدث عن اليوم الآخر، ولو لم يكن فيها من المواعظ إلا وقوله تعالى:{لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}[ق: ٢٢]. هذا متى يقال؟ يوم القيامة إذا انكشف الغطاء وتبين كل شيء فحينئذٍ يخاطب خطاب تقرير وتوبيخ.
"لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاء" الآن "فبصرك اليوم حديد" قوي بعدما كنت قد غطى عليك، {على بصره غشاوة}[الجاثية: ٢٣]. وهذا كقوله تعالى في سورة المؤمنون:{بل قلوبهم في غمرة}[المؤمنون: ٦٣]. يعني: من الآخرة قلوبهم في غمرة مغمورة ما يضيئها شيء، لكن لهم أعمال من دون ذلك، انظر أتت "من" و"دون" لدنو مرتبة هذه الأعمال عن الأعمال الآخرة، وهذه الأعمال التي دون أعمال الآخرة {هم لها عاملون} هذه الجملة فيها حصر، وفيها جملة اسمية للدلالة على الثبوت والاستمرار وتكثيف الجهود لهذه الأعمال، ولكن أعمال الآخرة قلوبهم في غمرة منها- نسأل الله السلامة-، وأعمال الدنيا هم لها عاملون كأنما خُلقوا لها، وفي يوم القيامة {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}[ق: ٢٢].
المهم: أن هذه السورة في الحقيقة إذا تأملها الإنسان وجد فيها من المواعظ شيئًا عظيمًا؛ ولهذا كان النبي- عليه الصلاة والسلام- في أيام الأعياد يقرأ بها في العيد وهي وسورة القمر:{اقتربت الساعة وانشق القمر}[القمر: ١]. وفي سورة القمر أيضًا مواعظ عظيمة.
ومن فوائد الحديث: قولها: "كل جمعة يقرؤها على المنبر إذا خطب الناس" هذا عندي فيه إشكال، ما هو الإشكال، ذلك أنها تقول:"كل جمعة" كأنها تتبع خطب النبي- عليه الصلاة والسلام- لا على أنه يقرأ هذه السورة كل جمعة، فهذه تحتاج إلى مراجعة هل إن هذا على عمومها أو أن المراد: في الغالب.
حكم الكلام في أثناء الجمعة:
٤٣١ - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له: أنصت، ليست له جمعة". رواه أحمدُ بإسناد لا بأس به.
قوله- عليه الصلاة والسلام-: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب" جملة: "والإمام يخطب" جملة حالية من فاعل "تكلم"، يعني: والحال أن الإمام يخطب، وقوله:"والإمام يخطب" جواب