أن إنسانا أصابت ثوبه نجاسة وهو معلق في السقف فنزل المطر وأزال النجاسة وهم لم يعلم هل يطهر؟ يطهر، وكذا لو سقط الثوب في بركة ماء وزالت النجاسة، فإن الثوب يطهر ولو بلا نية، وأما بيان النجاسة فسيأتي - إن شاء الله- بيانها، وهنا ينبغي أن نحصر أنواع النجاسة؛ وذلك لأن الأعيان الطاهرة أضعاف أضعاف أعيان النجاسة، وذلك بأن أصله قاعدة مهمة وهي أن الأصل في الأشياء الطهارة، فمن زعم أن شيئا من الأشياء نجس طالبناه بالدليل، وهذا أصل نافع، وهل يلزم من كون الشيء محرما أن يكون نجسا؟ لا يلزم، وهل يلزم من كون الشيء نجسا أن يكون محرما؟ نعم يلزم هذه أيضا قاعدة، قال:
٢٢ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا؟ فقال:"لا". أخرجه مسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح.
"سئل" يعني: الرسول - عليه الصلاة والسلام-، والسائل هنا مبهم لم يسلم، وهل نحن ملزمون بمعرفته؟ لا، المقصود معرفة الحكم الشرعي في هذه القضية - عن الخمر- الخمر: كل مسكر، كل مسكر فهو خمر من أي شيء كان، سواء كان من العنب، أو من التمر، أو البر، أو الشعير أو غيرها من الحبوب، كل مسكر فهو خمر، ولا يتحدد بشيء معين.
ولكن ما هو الإسكار؟ الإسكار: تغطية العقل على وجه اللذة والطرب والنشوة، ليس على وجه التعطيل؛ لأن العقل قد يغطى بتعطل أدواته، وقد يغطى بهذه النشوة والفرح العظيم والخيلاء واللذة التي عجز أن يملك عقله بسببها. هذا هو الإسكار؛ ولهذا لا نقول: إن البنج خمر؛ لماذا؟ لأنه صحيح يغطى العقل لكن لا على وجه اللذة والطرب، أما الخمر فإنه على وجه اللذة والطرب تجد الإنسان يصير مثل المجنون بل مجنون، ولا يخفى على كثير منكم ما يحصل للسكرى من اللغط والكلمات التي لو قالها في صحوة لكان كافرا، فهذا هو الخمر.
إذن الخمر له ضابط ما هو؟ كل ما أسكر فهو خمر، والإسكار: تغطية العقل على سبيل اللذة والطرب، "تتخذ خلا" الخل: هو الماء يمزج فيه شيء من التمر أو العنب أو ما أشبه ذلك مما يحيله ويجعله صالحا لأن يكون إداما، ومعنى "تتخذ خلا": أي تعالج حتى تنقلب بعد أن كانت خمرا فتصير خلا أيجوز هذا أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا" لا يصح؛ وذلك لأن الخمر تجب إراقتها ولا يجوز اتخاذها، وإذا كان الرسول - عليه الصلاة والسلام- منع اتخاذها لتكون خلا أو تخليلها، فاتخاذها من أجل أن يشربها مرة أخرى من باب أولى ولا إشكال في ذلك.