للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنها جملة إنشائية استفهامية؛ لأن المعنى: "أصليت؟ " وإذا حذف حرف الاستفهام فالذي يقدر الهمزة لأنها الأصل، فهنا لا ندري هل التقدير "هل صليت؟ " أو نقول: التقدير "أصليت؟ ".

وقوله: "قال: لا" يعني: لم أصل، و "لا" هذه جواب أو من أحرف الجواب يجاب بها المثبت، لماذا؟ لنفيه تقول: هل قام زيد؟ فيكون الجواب: "لا" إذا أجيب ب"نعم" فهو يراد به إثبات المثبت، لكن لو تسأل عن منفي فتقول: ألم يقم زيد؟ فلا تقول: "لا" ولا تقل: "نعم"، بل إنما تقول: "بلى".

قال: "قم فصل ركعتين"، "قم" فعل أمر من القيام، و "فصل ركعتين" أيضًا فعل أمر، وقوله: "ركعتين" لم يبين هل ركعتين ثقيلتان أو خفيفتان، لكنه ثبت في صحيح مسلم أنه أمره بأن يتجوز فيهما، يعني: يخففهما من أجل أن يتفرغ لاستماع الخطبة.

فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: أنه لا يؤنب من دخل والإمام يخطب، الدليل لذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنبه، فإن قلت: ما الجواب عما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين دخل عثمان وهو يخطب فلامه على تأخره فقال: ما زدت على أن توضأت ثم أتيت، فقال: والوضوء أيضًا وقد قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: "إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل" فما هو الجواب؟ أن يقال: لكل مقام مقال، ولكل رجل مرتبة، فتأخر عثمان رضي الله عنه ليس كتأخر هذا الرجل الذي قد يكون من المسافرين، قد يكون من الأعراب، أو من عامة الناس، لكن هذا عثمان رضي الله عنه هو الذي كان بعد عمر هو ثالث رجل في هذه الأمة.

جواب آخر: أيضًا أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلام لا شك أنه أكثر حلمًا من عمر، وعمر معروف بالشدة، فلا يبعد أن يقال إن هذا من شدة عمر رضي الله عنه، ولكن الجواب الأول أسد وأولى.

ويستفاد من هذا الحديث: جواز تكلم الخطيب مع غيره، من أين تؤخذ؟ من كلام الرسول صلى الله عليه وسلام مع هذا الرجل قال: "صليت؟ "، فلو قال قائل: هذا من خصائص الرسول- عليه الصلاة والسلام-؛ فالجواب: أن القول بأن هذا من الخصائص في هذه المسألة، وفي غيرها من المسائل لا يجوز إلا بدليل، وإلا فالأصل التأسي به، ويدلكم على هذا قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الاحزاب: ٢١]. وقوله: {فلما قضى زيد منها وطرًا زوجنكها} [الاحزاب: ٣٧]. التعليل: {لكى لا يكون على المؤمنين حرج في أزوج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} [الاحزاب: ٣٧]. فالحكم خاص والتعليل هنا عام، فقوله: {لكى لا يكون على المؤمنين} عامة، فدل هذا على أن الحكم في حق الرسول- عليه الصلاة والسلام- حكم في حق الأمة ويدلكم

<<  <  ج: ص:  >  >>