للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما "المنافقون"، هنا عندي "والمنافقين" على الحكاية أو على إعمال العامل؟ على الإعمال، والمنافقين يعني: سورة المنافقين التي قال الله فيها: {إذا جاءك المنفقون ... } الخ [المنافقون: ١]. ومناسبة هذه للجمعة ظاهرة لما فيها من التحذير عن هذا الخلق الذميم - والعياذ بالله - خلق النفاق، سواء كان هذا النفاق اعتقاديًا أو علميًا، ولما فيها من بيان عزة الإسلام وأهل الإسلام: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: ٨]. فيها من التحذير عن التشاغل بالأموال عن طاعة الله: {لا تلهكم أمولكم ولا أولدكم عن ذكر الله} [المنافقون: ٩]. فتكون هذه أعم مما ذكر في سورة الجمعة؛ لأن الجمعة خصت بالبيع: {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا} [الجمعة: ١١]. أما هذه الآية فهي عامة في الأموال والأولاد بأي طريق، ولما فيها أيضًا من تذكير الإنسان بالحال التي لابد منها وهي حال الموت حيث يتمنى الإنسان أن يرد إلى الدنيا ليعمل ولكنه قد فات الأوان: {ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} [المنافقون: ١١]. فالمهم: أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لهاتين السورتين فيه مناسبات متعددة أكثر مما قلنا لمن تأمل ذلك.

فيستفاد من هذا الحديث: استحباب قراءة هاتين السورتين في صلاة الجمعة، واستحباب قراءتهما كاملتين؛ يعني: لا يقرأ واحدة في الركعتين.

وفيه من الفوائد: مراعاة الأحوال واحتيار الأنسب؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - اختار ما هو أنسب.

ويستفاد منه أيضًا: أن المنافقين بعد الجمعة، لكن هل يستفاد منه أنها موالية لها؟ لا؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - قد يقرأ سورتين غير متواليتين كما في فجر يوم الجمعة يقرأ في الأولى سورة السجدة، ويقرأ بعدها سورة {هل أتى}. لكن يستفاد: أن المنافقين بعدها؛ لأن المعروف أن هذا الترتيب ترتيب منه ما هو سماعي، ومنه ما هو اجتهادي، هذا هو الصحيح في هذه المسألة، وإن كان بعض أهل العلم يقول: إن ترتيب السور سماعي توقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الصواب أن منه ما هو توقيفي، ومنه ما هو اجتهادي، بخلاف ترتيب الآيات فإن ترتيب الآيات توقيفي؛ ولهذا قال أهل العلم: يكره تنكيس السور ويحرم تنكيس الآيات، فلو أن الإنسان قرأ الفاتحة من آخرها أو سورة الناس من آخرها قلنا: إن هذا محرم ولا يجوز.

٤٣٤ - وله: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: "كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة: بـ {سبح اسم ربك الأعلى}، و: {هل أتاك حديث الغاشية} ".

قوله: "وله" أي: لمسلم، بهذا الحديث يتبين أن "كان" ليست للدوام دائمًا، لو كانت كذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>