هذا الكلام كلام معارض، لكنه استدل له بقوله:"فإن رسول الله"، وقوله:"فلا تصلها بصلاة" يعني: لا تأت بعدها بصلاة مباشرة حتى تتكلم، والكلام يطلق على كلام الآدميين، ويطلق على الكلام كلام الذكر، فهل المراد هنا العموم يعني: حتى تتكلم بذكر أو مع الآدميين، أو أن المراد الثاني؟ الظاهر: أن المراد العموم؛ لأن الكل كلام، ويؤيد هذا الظاهر أن الفصل بين الفرض والسنة يحصل بمثل هذه الأذكار؛ إذ إن هذه الأذكار لا يشرع جنسها في الصلاة، فلا يقال: إنها صلاة واحدة، وأن هذا الذكر بينهما من الصلاة، فما دام لا يوجد في الصلاة:"اللهم إنك أنت السلام"، ولا "أستغفر الله" ولا "سبحان الله" وما أشبهها فإن الفصل يحصل بذلك، وقال بعض العلماء: إنه لا يحصل إلا بكلام لا تبطل به الصلاة حتى تتبين المباينة، وأنه لا يمكن أن يبنى هذا النفل على الفرض؛ لأن التسبيح والذكر إذا قاله إنسان في الصلاة فلا تبطل، فلابد أن يتكلم بكلام يبطل الصلاة ليتحقق الفرق والفصل، ولكن إذا أخذنا بالظاهر وقلنا: إن جنس هذا التسبيح وإن كان لا يبطل الصلاة لكن لا يشرع مثله، فإنا نكتفي بالفصل بهذا التسبيح.
وقوله:"أو نخرج" أي: من المسجد، ثم استدل لذلك:"فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك" معلوم أن المشار إليه مبهم حتى يتبين الكلام سابق أو لاحق وهنا بينه بقوله: "ألا نوصل صلاة بصلاة"، "ألا نوصل" هذه عطف بيان بالنسبة لاسم الإشارة؛ أي: بألا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج، وقوله:"صلاة بصلاة""صلاة" هذه نكرة في سياق النفي، فتكون عامة للفريضة والنافلة، وكذلك "بصلاة" عامة للفريضة والنافلة، "فالفريضة" نفصلها بذكر، وكذلك نفل بنفل كصلاة الليل، والوتر، وما أشبه ذلك، لا حاجة إلى أن نفصل بينهما إلا أنه روي عن ابن عمر في الوتر بثلاث أنه إذا سلم من ثنتين كان يأمر ببعض حاجته ليفصل بينهما، وكأنه رضي الله عنه أخذ هذا من العموم:"ألا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج".
فيستفاد من هذا الحديث: أولاً: بيان تبليغ الشرع؛ لأن معاوية رضي الله عنه أبلغ السائب مع أنه هو الخليفة، فلا ينبغي للإنسان أن يأنف ويقول: يبلغه غيري.
ومن فوائده أيضًا: الاستدلال بالأحاديث النبوية على المسائل العلمية؛ لأن معاوية استدل، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدل بالقرآن مثل قوله - عليه الصلاة والسلام -: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ:{فأما من أعطى}[الليل: ٥]، ومنه قوله: "الصدقة تطفئ الخطيئة،