وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا:{تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعلمون}[السجدة: ١٦]. وأمثلة ذلك كثيرة، والصحابة - رضي الله عنهم - يستدلون بالقرآن وبالسنة أيضًا.
ومن فوائد الحديث: أن الأفضل ألا توصل صلاة بصلاة حتى يكون كلام أو خروج؛ لقوله:"أمرنا ألا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج".
ومن فوائده أيضًا: أن للشارع نظرًا في الفرق بين الفرض والسنة حتى لا يلتبس الأمر على العامل فلا يحاول أحد أن يزيد في فرائض الله، بل يكون أمره واضحًا متميزًا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه". لأجل أن يبقى رمضان متميزًا عن الفرض، إلا من كان له صوم ولا صام عن رمضان فهذا لا بأس.
ومنها: الإشارة إلى أن الأفضل أن يصلي الإنسان النوافل في غير المسجد، من أين تؤخذ؟ من قوله:"أو يخرج"، ولا شك أن الأفضل في النوافل البيت كل النوافل، فما يفعله الناس الآن من كونهم يتنفلون في المسجد فهذا خلاف الأصل، وإن كان جائزًا خصوصًا فيما بعد السلام، أما ما قبل السلام فقد يقول الرجل: أنا أحب أن أتقدم إلى المسجد لأنال الأجر والفريضة، فهذا جائز، لكن بعد السلام أكثر الناس الآن تجدهم يصلون الراتبة في المسجد وهذا خلاف الأفضل، وإن كان جائزًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، لكن الناس يتعللون بعلتين:
العلة الأولى: يقولون: إذا خرجنا إلى البيت غفلنا عنها، أو اشغلنا الأولاد.
والعلة الثانية: أننا نصليها في المسجد لأجل تنشيط بعضنا بعضًا؛ لأننا إذا انصرفنا فإن الجاهل ما يدري يحسب أنه ليس هناك نافلة فنحن نفعلها ليقتدي بعضنا ببعض.
أما العلة الأولى فهي علة عليلة؛ لأننا نقول في جوابها: إذا مرنت نفسك على أن تصلي الراتبة في البيت فلا تنساها لأنك منظم نفسك.
وأما العلة الثانية فقد تكون وجيهة لكن جوابها أن تقول: نفهم الناس ونعودهم على السنة حتى يعرفوا، فيقال: السنة للمغرب بعده ركعتين، والعشاء كذلك، والأفضل أن تكون في البيت ويلاحظون في هذه الأمور، لأن الناس قد ينسون وقد يغفلون فيجب التنبيه.
ومن فوائد الصلاة في البيت: البعد عن الرياء، ومنها: أن الأولاد الصغار يتعلمون، فالصغار إذا رأوا أباهم يصلي يقتدون به لاشك، المهم يتعلمون، وهذا هو الحكمة من قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا". يعني: لا تجعلوها بلا صلاة، بل صلوا فيها.