وقال آخرون: بل هي فرض كفاية؛ لأنها من شعائر الدين الظاهرة، وما كان هذا سببه فإنه يكون فرض كفاية مثل الأذان فهو من الشعائر الظاهرة فكان فرض كفاية، فتكون هذه فرض كفاية؛ لأن المقصود أن يذهب الناس في ذلك اليوم إلى المصلى يصلون فيظهروا هذه الشعيرة.
وقال بعض أهل العلم- ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية-: إنها فرض عين، وأنه يجب على الإنسان أن يصليها؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر بها حتى الحيض، وذوات الخدور، والعوائق، وهذا يدل على أنها واجبة، لو لم تكن واجبة ما أمر بها الناس كلهم، وهذا القول أقرب إلى الصلوات.
ويجاب عن حديث الأعرابي: بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إنما أعلمه بالصلوات المتكررة اليومية، فليس هناك شيء- غيرها- واجب؛ ولهذا يصح أن نستدل بحديث الأعرابي على عدم وجوب صلاة الوتر؛ حيث إنها يومية، وأما أن نقول: لا تجب صلاة الكسوف لحديث الأعرابي ولا تجب صلاة العيد لحديث الأعرابي، فهذا ليس بصحيح؛ ولهذا لو نذر الإنسان أن يصلي لزمه الوفاء بالنذر مع انه ليس من الصلوات الخمس، لكنه له سبب مستقل وصار به واجبًا، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "من نذر أن يطيع الله فليطعه".
فالصواب: أن صلاة العيد واجبة؛ ولهذا لم يسقطها الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى في هذه الحال التي لم يعلموا بها إلى أن فات أو النهار.
وفي الحديث من الفوائد: استحباب صلاة العيدين في المصلى لقوله: "أن يغدوا إلى مصلاهم" فالأفضل أن تكون خارج البلد في الصحراء، ولا فرق بين المدينة وغيرها من البلدان، أما المسجد الحرام فإن صلاة العيد فيه، وعللوا ذلك بأن مكة أودية، وشعاب، وجبال وليس فيها مكان صالح للصلاة؛ لأنهم يصلون جوار الكعبة؛ لأنهم لو تفرقوا في هذه الأودية والشعاب صار في ذلك مشقة، وبه نعرف أن المدينة الأفضل أن تقام صلاة العيد فيها في الصحراء في الخارج لا في المسجد.
ومن فوائد الحديث: أن الأفضل في صلاة العيدين التكبير لقوله: "أن يغدوا" يعني: يذهبوا غدوة، ولكن لا ينافي هذا أنه يسن التأخير في صلاة الفطر؛ لأن المراد تأخير لا يخرجها عن كونها في الغداة.
وفيه أيضًا من الفوائد: أنه لا ينبغي تعنيت الشاهد وإحراجه بان يقال: كيف رأيت الهلال؟ هل هو دقيق أو غير دقيق؟ أين اتجاهه؟ إلى الجنوب أو إلى الشرق؟ ما يعنت إذا شهد يقبل، اللهم إلا إذا كان متهمًا إما بالكذب وإما بقلة الضبط، بحيث ما ضبط الهلال مثلًا، فهذا ربما نقول للقاضي أن يتحرى وأن يسأله كيف رأيت الهلال؟ وأما أن كل شاهد نحضره ونقول كيف رأيته؟ فربما يمتنع ويدع الشهادة، فهذا الحديث يدل على أنه لا يعنت الشاهد، ولا أن يوصف