ومن فوائد هذا الحديث: أن هذه الصلاة التي أخرت إلى الغد تكون أداء أو قضاء؟ تكون أداء؛ لأن عليها أمر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكل شيء عليه أمر الله ورسوله فإنه أداء أو في حكم الأداء، وعلى هذا فنقول: الصحيح أنها تصلى في اليوم الثاني أداء؛ لأنها بأمر النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولو كانت من باب القضاء لكانت تفعل إذا زال العذر وهو الجهل على حد قوله (صلى الله عليه وسلم): "من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها". على أن القول الراجح في مسألة النوم والنسيان أن فعل الصلاة بعد زوال النوم والنسيان يعتبر أداء كما سبق.
أقسام قضاء الفوائت:
يستفاد منه أيضًا: أن أقسام قضاء الفوائت- سواء سميناها قضاء أو أداء- تختلف، فمنها ما يؤدى على صفته حين زوال العذر، مثل: الصلوات الخمس فإنها تؤدي على صفتها حين يزول العذر لا ينتظر إلى وقتها، وأما فعل بعض العوام الذين يكونون عليهم فوائت فيقضون كل صلاة مع نظيرها فهذا لا أصل له، وذلك كأن يكون عليه من الصلوات ما مقداره خمسة أيام يصلي الظهر مع الظهر، والعصر مع العصر فتكون مدة القضاء كم يومًا؟ خمسة أيام، ولكن هذا ليس بصحيح، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) في غزو الخندق قضى خمس صلوات فاتته في هذا اليوم في وقت واحد ولم يؤخرها إلى الغد، فهذا الوهم الذي توهمه بعض العامة لا أصل له.
الثاني: ما يقضي بدله على غير صفته، وهي الجمعة فإذا فاتت لا تقضى جمعة، وإنما تقضى ظهرًا، وكذلك الوتر على القول بأنه يشفع فإنه يقضى ولا يكون على صفة أدائه.
الثالث: ما يقضى في نظير وقته، وهي صلاة العيد.
والرابع: ما لا يقضى، وهي الصلوات ذوات الأسباب، كصلاة الكسوف مثلًا، فالإنسان لو لم يعلم بالكسوف إلا بعد انتهائه فهل يقضيها؟ لا يقضيها، فصارت الصلوات باعتبار القضاء على هذا النحو السابق أربعة أقسام.
وفي الحديث أيضًا من الفوائد: وجوب صلاة العيد لقوله: "فأمرهم"، والأصل في الأمر الوجوب، وقد ثبت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر أن يخرج العوائق وذوات الخدور مع أنه في غير صلاة العيد المشروع في حق المرأة ألا تحضر المساجد لكن في العيد أمرت أن تخرج، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم:
فمنهم من يقول: إنها سنة وليست بفريضة لا كفاية ولا عينًا، ودليل هؤلاء حديث الأعرابي أنه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: هل علي غيرها؟ قال:"لا، أن تطوع". قالوا: فلما لم يبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) دل ذلك على أنه لا يجب غير الصلوات الخمس.