يأكله أيأكل خبزًا أو شعيرًا، أو ماذا يأكل؟ بينه الرواية السابقة وهي تمرات، لكنها أيضًا مجملة من حيث العدد، وبينتها الرواية السابقة، لكن في الأضحى "لا يطعن يوم الأضحى حتى يصلي"، وفي رواية أخرى وإن كان فيها مقال:"ويأكل من أضحيته". وفي بعضها تعيين ذلك من الكبد.
ففي هذين الحديثين تستفيد: أولًا: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان في عيد الفطر يأكل قبل أن يصلي، فما هي الحكمة من كونه يأكل قبل أن يصلي؟ قال أهل العلم: الحكمة في ذلك المبادرة إلى تحقيق الفطر في هذا اليوم؛ لأن هذا اليوم يوم يجب فطره ويحرم صومه، فإذا أكل من أوله دل ذلك على المبادرة، بماذا؟ بتحقيق فطر ذلك اليوم مثل ما يسن للصائم أن يبادر بالفطر إذا غابت الشمس، فنقول: هنا للأكل لأجل المبادرة بذلك.
ومن فوائد الأكل: أنه يعينه على أداء الصلاة، فإن الإنسان إذا قام من الليل في الغالب يكوم بطنه خاليًا فإذا أكل نشط، وقد يقول بعضكم: ومن فوائده: التأخر في صلاة العيد. وقد يقول آخر: لا ليس هذا من الفائدة؛ لأنه بإمكانه أن يتأخر بدون أكل، إذن فتلغي هذه الفائدة.
ثم قوله:"تمرات"، لماذا خص التمر دون غيره من الخبز أو الطبيخ أو نحو ذلك؟ أولًا قد يقول قائل: لأن ذلك هو الذي يوجد غالبًا في بيته كما حدثت بذلك عائشة أنه يمضي الشهران والثلاثة ما يوقد في بيته نار صلوات الله وسلامه عليه، "قالوا: فما طعامكم؟ قالت: الأسودان التمر، والماء". وقد يقال: إن تخصيص التمر ليس على سبيل التعبد لكن على أنه الميسور، والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان لا يتكلف مفقودًا ولا يرد موجودًا، كان يمشي على الأحوال كما كان صابرًا على الضراء شاكرًا على السراء، وقد يقال: إن ذلك من باب التعبد بدليل أنه أمر الصائم أن يفطر على التمر فيكون في التمر خصوصية ليست في غيره، وهو كذلك هذا هو الأقرب، بمعنى: أنه اختار التمر لذلك، وقد نقول: إن العلة الأمران جميعها، وهو أنه هو الميسور غالبًا عنده (صلى الله عليه وسلم)، وأنه أفضل من غيره؛ لأن التمر جمع بين ثلاث صفات: غذاء، وفاكهة، وحلوى، والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يحب الحلوى، ويعجبه ذلك؛ لأن الحلاوة خلق المؤمن، وأشبه شيء من بالمؤمن الأشجار هو النخلة التي هي صاحبة هذا التمر فيكون لذلك مزية، حتى إن بعضهم قال: إنه يؤثر في القلب في صلاح القلب، وقال الأطباء: إنه يؤثر في زيادة النظر، وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "أنه من تصبح بسبع تمرات من العجوة"، وفي لفظ: "من تمر العالية لم يضره ذلك