اليوم سم ولا سحر". وهذه وقاية عظيمة، وعمم بعض أهل العلم ذلك إلى غير هذا التمر، وقال: إن النص على تمر العالية ليس لخصوصية فيه وأن المقصود التمر مطلقًا، ولهذا ينبغي للإنسان في كل يوم يفطر على سبع تمرات؛ لن فيها فائدة لمسها كثير من الناس، إذن نقول: الظاهر: أن تخصيص التمر راجع للأمرين ولا مانع.
وقوله: "يأكلهن وترًا" لماذا خص الوتر؟ قالوا: لأن الله وتر يحب الوتر وتبركًا به.
ثم أخبر ابن بريدة عن أبيه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، وهذا الإجمال بينه أنس، وهو (رضي الله عنه) من أخص الناس بالرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه كان من خدمه، وأخبر أنه لا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي، والحكمة هي أن الإنسان مأمور بالأكل من تسكه في يوم الأضحى، أليس الله يقول:{فكلوا منها}؛ أي: الأضحية، فإذا كان لدينا أكل متعد به مأمور به شرعًا فالأفضل أن يكون أول ما يلاقى معدتنا في هذا اليوم هو هذا الأكل المأمور به شرعًا ليكون تناوله تعبدًا؛ ولهذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يؤخر الأكل حتى يأكل من أضحيته.
وفيه أيضًا فائدة: وهي أن الإنسان إذا قيل له: إن الأفضل ألا تأكل يوم الأضحى إلا من أضحيت أول شيء بادر إلى ذبحها؛ لأن النفوس مجبولة على محلة الأكل وتناول ما تشتهيه، فيكون في ذلك مصلحة وهي المبادرة بذبح الأضحية، ولا شك أن المبادرة بالذبح أفضل، حتى كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يذبح أضحيته في المصلى وليس في بيته (صلى الله عليه وسلم)، إذن كان تأخير الأكل يوم الأضحى له فائدة وتقديمه في عيد الفطر له فائدة أيضًا، وليس يوم الأضحى وإن كان يومًا يجب فطره لكنه ليس بعد يوم يجب صومه بخلاف عيد الفطر فإنه بعد يوم يجب صومه، ثم إن عيد الأضحى يسن فيه تقديم الصلاة، وعيد الفطر بالعكس يسن فيه تأخير الصلاة، فكون الإنسان ينتظر حتى يأكل ثم يخرج ربما يكون في ذلك تأخر، فلهذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يأكل يوم عيد الأضحى حتى يرجع ويأكل من أضحيته.
يستفاد من الحديث الأول: أنه يشرع للإنسان أن يأكل قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفطر تمرات أقلها ثلاث وأكثرها ما تتحمله معدته، لكن ينبغي أن يكون ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، فإن لم يجد تمرًا فهل الأكل مقصودًا لذاته، أو نقول: إذا لم تجد تمرًا فلا تأكل؟ الصحيح: الأول، بمعنى: أن المعنى الأول الأكل مقصودًا لذاته، وربما نأخذه من حديث ابن بريدة، عن أبيه: "حتى يطعن" فإن هذا داخل فيه، ثم نقول: التمر حلوى، وغذاء، وفاكهة، فإذا لم