يحول بينها وبين الأرض؛ ولذلك لا يكون الكسوف إلا في آخر الشهر لإمكان حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وأسباب كسوف القمر حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولذلك يكون كسوف القمر في ليالي الإبدار؛ لأن ضوء القمر مستقاد من الشمس، قال الله تعالى:{فمحونا ءاية الَّيل}[الإسراء: ١٢]. ويدل على أنه مستفاد منها: أن منازل القمر كلما كان القمر قريبًا من الشمس كان ضوؤه أقل لعدم المقابلة، وكلما أبعد ازداد ضوؤه لكثرة المقابلة؛ لأن الفلك مثل القبة يعني: مكور، فإذا قابلها القمر من هنا وهي من هنا امتلًا نورًا، وإذا قرب منها ضعفت المقابلة فقلَّ النَّور.
إذن سبب الكسوف معلوم من الناحية الحسية، وهو بالنسبة لكسوف الشمس حيلولة القمر بينها وبين الأرض، وبالنسبة للقمر حيلولة الأرض بينه وبين الشمس، هذا هو السبب - الحسي الفلكي.
وهناك سبب شرعي ما يعلم ألا من طريق الرسل، السبب الأول الحسي: معلوم من طريق الحساب، ويعرفه أهل العلم بالفلك، لكن السبب الشرعي ما يعلم ألا من طريق الوحي، وهو الأهم وهو تخويف الله العباد، يخوف الله عباده بهذا الكسوف، يخوفهم أو يعاقبهم؟ يخوفهم، والفرق بين التخويف والعقوبة ظاهر، التخويف معناه: أن الله ينذر العباد من أن يقع بهم عقوبة وليست عقوبة.
ولهذا بعض الجهال يقولون: كيف يصير إنذار ولم يحدث شيء لا زلازل ولا صواعق، ولا غيره، ابن الإنذار.
نقول: إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال:"يعاقب الله بهما" وقال: يخوف الله بهما فهو إنذار قد يقع المنذر به وقد لا يقع؛ ولهذا الرسول - عليه الصلاة والسلام - أمر بأن يصلى حتى ينكشف ما بنا، هذا السبب الشرعي، فهل يعارض السبب الحسي؟ لا؛ لأن الفاعل واحد، فالذي جعل القمر يحول بين الشمس والأرض، أو الأرض بين الشمس والقمر هو الله، والمخوف هو الله؛ فلا تنافي بين هذا وهذا؛ لأن الله تعالى يقدر ذلك خلقًا لحكمته شرعًا، وهو التخويف، وأما إنكار بعض الناس للسبب الحسي بحجة أن إثباته يستلزم إبطال السبب الشرعي فلا يقرون بذلك بحجة أن ذلك يؤدي إلى تكذيب حديث الرسول في قوله:"يخوف مهما عباده"، فنقول: إن هذا تصور من هؤلاء لأنه لا تنافي بينهما، فالله يقدر الشيء بأسبابه تخويفًا لعباده، الصواعق أليس لها أسباب؟ بلى، لها أسباب ويخوف الله بها العباد، والزلازل لها أسباب حسية معلومة ويخوف الله بها العباد، وكذلك الرياح وغيرها، فالأسباب الكونية لا تنافي الحكم الشرعية؛ لأن الفاعل واحد وهو الله عز وجل.