للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن قال قائل: كلامكم هذا يعارض ما جاء في التاريخ من أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في اليوم العاشر من شهر ربيع الأول، أو في الثاني عشر منه، أو في الثامن منه، وهذا على قولكم لا يتطابق مع ما قررتموه، لأنه إذا كان في اليوم الثاني عشر، أو العاشر، أو الثامن والشمس هي التي كسفت فالقمر بعيد منها لا يمكن أن يحول بينها وبين الأرض؟

فالجواب على ذلك: أن هذا لا يصح، قول المؤرخين هذا لا يصح؛ ولهذا اختلفوا فيه، فليس هناك سندٌ صحيح يقول: إنه في اليوم الثاني عشر، أو الثامن، أو العاشر، ولهذا حسبه المتأخرون من أهل الفلك ووجدوا أنه - أي: كسوف الشمس في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان في يوم الثلاثاء الموافق تسع وعشرين شوال سنَّة عشر من الهجرة، وعلى هذا فلا إشكال فيه؛ لأن يوم التسع والعشرين يكون القمر قريبًا من الشمس يمكن أن يحول بينها وبين الأرض فيحصل الكسوف.

كذلك أيضًا قد يقول قائل: إن الفقهاء - رحمهم الله - قالوا: إذا وقع الكسوف يوم الوقوف بعرفة - يعني: كسوف القمر - بعد أن غابت الشمس كسف القمر، فإنه يصلى الكسوف ثم يدفع على كلام الفقهاء فيدل على أن الأمر غير ما ذكرتم لأنهم قالوا هذا ثم عللوا، قالوا: "يتصور كسوف الشمس والقمر كل وقت والله على كل شيء قدير، التعليل صحيح لكن ما ينطبق على المعلل، الله على كل شيء قدير، التعليل صحيح لكن ما ينطبق على المعلل إنه يتصور كل وقت لأننا نقول: إذن ويتصور أن تطلع الشمس عند مغيب الشفق والله على كل شيء قدير، فالشيء ليس بالنسبة لقدرة الله، قدرة الله لا يحول دونها شيء، لكن الكلام على العادة المنتظمة التي أجراها الله عز وجل التي تقتضيها حكمته ألا يقع الكسوف - كسوف الشمس - إلا في وقت الاستتار في آخر الشهر ولا يقع كسوف القمر ألا في وقت الإبدار الرابع عشر أو الخامس عشر، ونحو ذلك.

الكسوف هل يمكن أن يكون على بعض الأرض دون بعض؟ نعم يمكن، وهذا يدل على أن نور الشمس والقمر لا يذهب وإنما يستتر وينحجب، لا يذهب لأنه لو ذهب لكان الكسوف إذا وقع في أرض لزم أن يكون واقعا في كل الأراضي وليس الأمر هكذا، بل ربما يقع في نقطة من الأرض كليًّا، وفي نقطة أخرى جزئيًّا، وفي نقطة ثالثة لا شيء كما هو معلوم، كما أنه الآن لو حالت سحابة بيننا وبين الشمس صارت على النقطة التي تحتها الشمس محجوبة لكن على النقطة الأخرى الشمس بادية، وعلى النقطة التي بينهما الشمس نصفها ظاهر ونصفها محجوب، صلاة الكسوف ما دام الكسوف آية من آيات الله ليس من الأمور العادية وإنما هو شيء خارج عن العادة لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كان من الحكمة أن تكون له صلاة من آيات الله خارجة عن المعتاد بالصلوات، السبب خارج عن المعتاد، والصلاة خارجة عن المعتاد أيضًا، وهذا مما يدلك على تناسب الشرع والقدر، وأنه لا تنافر بينهما ولا تنافي بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>