فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله" والآيات جمع آية، وهي العلامة، وقد سبق لنا مرارًا أن الآيات نوعان: كونية، وشرعية، وأنها سميت آية؛ لأنها علامة حيث لا يقدر عليها إلا الله عز وجل فهي آية من آيات الله في حجمها ومنافعها وانتظامها وغير ذلك مما يتعلق بها.
"ولا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"، هذه من الأمور الفلكية، والأمور الفلكية لا يستدل بها على حدوث شيء في الأحوال الأرضية، ولا يكون شيء من الأحوال الأرضية سببًا لها، ولكن قد يعاقب الله أهل الأرض بأمور سماوية لكونهم عصوا الله.
وقوله- عليه الصلاة والسلام-: "لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"، قوله:"ولا لحياته" استشكلها بعض أهل العلم من حيث قالوا: إنه ليس عند العرب عقيدة بأن الشمس والقمر ينكسفان لحياة أحد، فكيف قال:"ولا لحياته"؟ وأجاب بعضهم: بأن هذا من باب التعميم، يعني: كما لا ينكسفان للموت، لا ينكسفان للحياة.
قال:"فإذا رأيتموهما"، رؤية بصرية أو علمية؟ بصرية، وفيها حال مقدرة لزومًا وتقديرها:"فإذا رأيتموهما كاسفين"، لا بد من تقدير هذه الحال؛ لأن مجرد رؤية الشمس والقمر لا توجب الصلاة، "فإذا رأيتموهما" يعني: كاسفين.
"فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف" قوله: "فادعوا الله" بماذا ندعو الله؟ بأن يكشف ما بنا، وقد بين الرسول- عليه الصلاة والسلام- أن من جملة ما ندعو به الله الاستغفار، فندعوه بالاستغفار من الذنوب، وندعوه بأن يكشف ما بنا، وقوله:"صلوا" هذا مطلق، ولكنه محمول على المقيد، ما هو المقيد؟ أن نصلي الصلاة المعهودة المشروعة في صلاة الكسوف، وقوله:"حتى ينكشف" أي: حتى يزول، يعني يزول الكسوف، و"حتى" هنا هل ترونها غائية أو تعليلية؟ أن نستمر عليه حتى ينكشف، وكلاهما حق، فإن الصلاة والدعاء من أسباب انجلائه، وكذلك يشرع أن نبقى على هذه الحال إلى أن ينكشف.
قال: وفي رواية البخاري: "حتى تنجلي" أتى المؤلف رحمه الله بهذه الرواية كالشرح للرواية الأولى، لأن الانكشاف يعني: الانجلاء.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: حكمة الله عز وجل حيث وقع الكسوف في اليوم الذي مات فيه إبراهيم، وجه ذلك: لأجل أن يكون القول بإبطال تلك العقيدة في وقته ومحله، وحضور الشيء في وقته ومحله يكون له وقع في النفس أكثر.
وفيه أيضًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يصاب بالمصائب الدنيوية كما حصل بموت ابنه إبراهيم، وقد