الله وهو الوحي الذي أنزله على رسله، إذا رأيت شيئا لم يتبين لك وجه الحكمة فيه فاعلم أن ذلك لقصور فهمك، وأنك لا تستطيع أن تعلم كل ما لله تعالى من حكمة، ومن ثم كان جواب الصحابة- رضي الله عنهم- في الأمور المشروعة إذا سئلوا ما الحكمة في كذا، فجوابهم: أننا أمرنا بكذا، ولم نؤمر بكذا، لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت:"كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة". فيطمئن الإنسان بهذا الجواب، لا يذهب يبحث عن علل ممكن أن تكون هي المقصودة للشارع ويمكن ألا تكون، ويمكن أن تكون مطردة منعكسة ويمكن أن تكون منتقضة، وهكذا الرسول- عليه الصلاة والسلام- أخبر بأن الشيطان يأتي ابن آدم ويلقي في قلبه ما يتعاظم أن يتكلم به، وأخبر- عليه الصلاة والسلام- أن هذا صريح الإيمان، وأن من أحسن به فليستعذ بالله ولينته، وأخبر أن الشيطان يأتي الإنسان يقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته، وفي رواية: فليقل: الله أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد. كل هذا يدلك على أن الإنسان يستسلم لحكم الله تعالى الكوني والشرعي.
ومن فوائد الحديث: تكرار التوحيد، لاسيما في مقام الدعاء، فإن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط والتكرار، من أين يؤخذ؟ من قوله:"اللهم أنت الله لا إله إلا أنت"، مع أنه قال بالأول:"لا إله إلا أنت"، لكن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط، كما أن ذلك أيضا توطئة لما يأتي بعده وهو قوله:"أنت الغني ... " إلخ.
البسط في الدعاء مشهور وله أمثلة كثيرة:"رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وعافني، وارزقني" كل هذه متداخلة في الرحمة، "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، وأوله وآخره"، يوجد تكرار لكنه فيه فائدة، "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا"، يكفي أن تقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، لكن في تكرار الدعاء فوائد:
الفائدة الأولى: أن فيه تفصيلًا.
الفائدة الثانية: أنه مناجاة للرب عز وجل، والإنسان يحب أن يطول الكلام مع حبيبه، أنت إذا كنت تحب صديقًا لك تود أن تبقى معه كل الليل والنهار تتكلم معه، فكذلك الرب عز وجل- وهو أحب ما يكون للإنسان المؤمن- يحب أن يكرر معه- سبحانه وتعالى-؛ لأنه يناجيه.
الفائدة الثالثة: أن كل جملة فيها إظهار الفقر إلى الله عز وجل، وإظهار الفقر إليه- سبحانه تعالى-