والذي يوافقنا يدخله الرب الجنة، وإلا فإن الحقيقة لا يوجد شيء، يقولون: كل هذا القرآن والسنة المقصود به: التخويف والتقويم، وأنتم لا تدرون ما معناهما؟ فنحن أعلم منكم.
المهم: أن أهل التفويض قولهم باطل لا شك، وهذا الحديث مما يبطل قولهم.
ومن فوائد الحديث: تفسير المعقول، أو إن شئت فقل: تفسير الموعود بالموجود، يؤخذ من قوله:"كالجبلين العظيمين"؛ لأن الجبلين مشهودان، والقيراطان موعودان، فيفسر الموعود الذي لا يرى بالمشهود الذي يرى:{وتلك الأمثل نضربها للنَّاس وما يعقلها إلَّا العالمون}[العنكبوت: ٤٣].
قوله:"وللبخاري أيضًا"، كلمة "أيضًا" هذه تكرر كثيرًا في كلام الناس، وهي مصدر آضى يئيض أيضًا كباع يبيع بيعًا، ومال يميل ميلًا، وما معناها؟ معنى "آضى" أي: رجع، فعلى هذا يكون "أيضًا" يعني: رجوعًا على ما سبق، لكنها محذوفة العامل وجوبًا، مثل:"سبحان" ما يذكر معها عاملها، هذه أيضًا لا يذكر معها عاملها، فهي إذن إعرابها منصوبة على أنها مفعول مطلق عاملة محذوف وجوبًا، ومعناه: رجوعًا يعني: على ما سبق.
قوله:"من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا"، وعلى هذا فلا يكون من تبع جنازة الكافر لا يكون له مثل الأجر، بل لابد من أن يكون المتبوع مسلمًا، وهذا الحديث مقيد للحديث السابق:"من تبع الجنازة حتى يصلى عليها" مقيد له على أننا قلنا: إن الأول فيه ما يدل على أن المراد بها جنازة المسلم من قوله: "حتى يصلى عليها"، والكافر لا يصلى عليه، إذن فهو عام أريد به الخصوص، وخص من قوله:"حتى يصلى عليه".
وقوله:"إيمانًا واحتسابًا" أي: إيمانًا بما عند الله- سبحانه وتعالى- من الأجر، أو إيمانًا بما جاء به الشرع من الحث على اتباع الجنائز؟ الثاني، "واحتسابًا" يعني: انتظارًا وحسبانًا للأجر على الله- سبحانه وتعالى-، فالاحتساب بمعنى: أنه يحتسب بهذا العمل الأجر عند الله، وهذا يدل على إيمانه بالجزاء، وأما "إيمانًا" فهو الإيمان بأن هذا من الأمور المشروعة التي حث عليها الشرع.
قال:"وكان معها حتى يصلى عليها"، هذا القول مشعر بأنه كان متبعًا لها من بيتها، "ويفرغ من دفنها"، وهنا نقول: إننا نأخذ بهذا؛ لن الحديث الذي سبق فيه لفظان:"حتى تدفن"، "حتى توضع في اللحد"، و"حتى يفرغ" يشمل الجميع.
وقوله:"فإنه يرجع بقيراطين" يرجع من المقبرة يعني: مصطلحبًا لقيراطين، الباء هنا للمصاحبة، وقوله:"كل قيراط مثل جبل أحد" يدل على عظم هذين القيراطين، ويبطل قول من يقول: إنهما جزآن من أربعة وعشرين جزءًا من أجر المصاب، فإن هذا لا وجه له بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم.