ومن فوائده: أن النضح يطلق على الغسل لقوله: "ثم تنضحه" .. فالمراد بالنضح هنا: الغسل إلا أن يقال: إن حته ثم قرصه بالماء يخفف النجاسة حتى يمكن أن تزول بالنضح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت خولة: يا رسول الله، فإن لم يذهب الدم؟ قال:"يكفيك الماء ولا يضرك أثره".
قوله:"قالت خولة": هي بنت يسار "يا رسول الله، فإن لم يذهب الدم" تريد: لونه؛ بمعنى: بعد أن تحته ثم تقرصه، ثم تنضحه ولم يزل الدم، فقال:"يكفيك الماء ولا يضرك أثره".
"يكفيك الماء" دليل على أن الماء يزيل بالنجاسة.
"ولا يضرك أثره" والأثر هنا هو اللون، أما إذا بقي شيء من جرمه فإنه لا يكفي، وكذلك الريح مثل اللون إذا صعب إزالته فإنه لا يضر.
ففي هذا الحديث فائدة تضاف إلى ما سبق وهي: أنه إذا بقي لون الدم فإنه لا يضر؛ لأن العبرة بزوال عين النجاسة أما لونها فهو لا يضر، وبهذا يتم ما أورده المؤلف رحمه الله من الأحاديث في باب "إزالة النجاسة وبيانها" فلنرجع إلى تحرير ذلك وتلخيصه.
أولا: إزالة النجاسة على القول الراجح تحصل بأي مزيل، وبأي عدد فلا يشترط فيما يزيلها نوع معين، ولا يشترط فيما يزيلها عدد معين، بل قد تزول بأول مرة أو بثاني مرة أو لا تزول إلا بعد عشرين مرة، المهم أن النجاسة عين قذرة لا يطهر المحل إلا بزوالها.
ثانيا: إزالة النجاسة هل يتحقق بغير الماء أو لابد من الماء؟ في ذلك خلاف بين العلماء وأكثر العلماء أنه لا تتحقق إزالة النجاسة إلا بالماء إلا ما استثني كالاستجمار، فإن النجاسة تزول بالاستجمار، ومن العلماء من يقول: إن النجاسة لا تزول بالاستجمار؛ وإنما يزول حكمها، وأن الاستجمار هذا مبيح وليس بمطهر، وهذا هو المشهور عند فقهاء الحنابلة - رحمهم الله-، وينبني على ذلك أنه لو استجمر ثم مس ثوبه وهو رطب بمحل الاستجمار، فإن الثوب ينجس؛ لأن النجاسة لم تزل بالاستجمار، وكذلك يقولون: لو احتلم الإنسان وهو مستجمر فإن ما يبرز من الماء يلاقي مكانا نجسا فينجس ويكون الماء الذي خرج بالاحتلام متنجسا وليس بنجس، لكن القول الراجح: أن الاستجمار مطهر لحديث ابن مسعود رضي الله عنه "إنهما" - أي: الروث والعظم- "لا يطهران"؛ فدل ذلك على أن الاستجمار مطهر وهو كذلك، وكذلك وردت السنة بأن الحذاء نطهر بالدلك بالتراب، وأن أسفل ثوب المرأة إذا مر بالنجاسة فإنه يطهر بما يمر به من بعد النجاسة من التراب الطاهر.
وهذه الشواهد تدل على أن إزالة النجاسة تحصل بأي مزيل، وهذا هو الحق، كيف نقسم