ما يحصل به التطهير؟ قسم العلماء ذلك إلى ثلاثة أقسام: نجاسة مغلظة، ونجاسة مخففة، ونجاسة متوسطة.
فالمغلظة: هي نجاسة الكلب إذا ولغ في الإناء فلابد من سبع غسلات إحداهما بالتراب، وهل يقاس على الكلب الخنزير؛ لأنه أخبث؟ قال بعض العلماء: إنه يقاس، والصحيح أنه لا يقاس، وهل يقاس على ولوغه ما خرج منه من فضلات كالعذرة والبول والدم أو لا؟ فيه خلاف أيضا: من العلماء من ألحقه بالولوغ، ومنهم من قال: حكمه كسائر النجاسات، لكن الأحوط بلا شك أن يلحق بولوغه وألا يحكم بطهارته إلا بسبع غسلات إحداها بالتراب.
النجاسة المخففة: هي نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، يعني: لو يفطم بعد؛ هذه مخففة يكفي فيها النضح وهو صب الماء عليها، وإن لم يتقاطر منها وإن لم يدلك، وإن لم يغسل، وكذلك على القول الراجح المذي يكفي فيه النضح كبول الصغير؛ لأن المذي طبيعته بين المني والبول فأعطي حكما بين الحكمين.
أما المتوسطة: فهي ما سوى ذلك - مغلظة ومخففة- ومتوسطة ما بين ذلك، فإذا عرفت المغلظ والمخفف وقلت ما بين ذلك هو المتوسط، فهذا يشمل جميع النجاسات فكيف تطهر؟ المشهور من مذهب الحنابلة - رحمهم الله- أنه لابد من سبع غسلات لكن بدون تراب، والصحيح أنه لا يشترط سبع غسلات، وأنه متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر سواء بثلاث أو بخمس أو بتسع أو بعشر أو ما أشبه ذلك، المهم المقصود هو إزالة عين النجاسة، هذا هو القول الراجح ويدل على ذلك ما ذكره المؤلف في دم الحيض من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد عددا معينا وإنما ذكر صفة معينة يزول بها الدم.
أما النجاسات. ما هي النجاسات؟ هذه بعض العلماء حدها وقال:"كل عين حرم تناولها لا لحرمتها ولا استقذارها ولا بضرر منها في بدن أو عقل"، وكما تعلمون هذا التعريف طويل جدا، وقد لا يكون مانعا ولا جامعا، لكن سقناه على حسب ما ذكره بعض الفقهاء كل عين حرم تناولها لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضرر منها في بدن أو عقل، ولكن يقال الأحسن ألا نأخذ به؛ لأنه قد يرد علينا أشياء تنقض هذا التعريف بل نعدها والأصل فيما عداها الطهارة؛ فنبدأ بما أشار إليه المؤلف وهو الخمر:
فالخمر على ما عليه جمهور العلماء نجس قليله وكثيره، ولا يعفى عن شيء منه، والمناقشة في أدلته سبقت ولا حاجة إلى إعادتها، وتبين أن الراجح أنه ليس بنجس نجاسة حسية، ولكنه نجس نجاسة معنوية، وذكرنا أن الدليل على ذلك نوعان: سلبي وإيجابي.