للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القياس على الثياب، وحوائج المنزل وما أشبه ذلك، فيجاب عنه من وجهين: الأول: أنه قياس فاسد لماذا؟ لمخالفته النص، وأول من عارض النص بالقياس إبليس، ورد الله عليه معارضته قلنا: أن نقول: أنتم عرضتم بالقياس ومع ذلك لم تأخذوا بالقياس لا طردًا ولا عكسًا.

فإنكم تقولون: لو كان عنده حلي للإيجار وجبت عليه الزكاة، ولو كان عنده ثياب للإيجار لم تجب الزكاة.

وتقولون أيضًا: إذا كان عنده ثياب محرمة يلبسها فليس فيها زكاة، وإذا كان عنده حلي محرم يلبسه ففيه الزكاة.

وتقولون أيضًا: إنه إذا كان عنده ثياب أعدها للبس ثم عدل عن ذلك وأعدها للتجارة لم تجب فيها الزكاة، وإذا كان عنده حلي للبس، ثم عدل عن ذلك وأعدها للتجارة ففيه الزكاة.

وتقولون أيضًا: لو كان عنده حلي أعده للنفقة، مثل امرأة فقيرة ليس عندها مال عندها حلي كثير وجعلته للنفقة، كلما احتاجت باعته وأنفقت على نفسها فعليها الزكاة، ولو كان عندها ثياب كثيرة جدا أعدتها للنفقة كلما احتاجت باعت وأنفقت فليس عليها زكاة، كيف يصح القياس مع هذه المخالفة العظيمة؟ لا يصبح لأن القياس معناه: إلحاق الفرع بالأصل، وهنا الفرع خالف الأصل في أكثر المسائل، فتبين بهذا أن من نفوا وجوب الزكاة في الحلي ليس عندهم دليل من أثر ولا نظر، أما الآثار فعرفتم، وأما النظر فعرفتم التناقض وعدم صحة القياس، وبناء عليه فإن أحاديث وجوب زكاة الحلي قائمة بلا معارض، وكلما جاء الدليل قائمًا سالما عن المعارض وجب الأخذ بمدلوله ومقتضاه، ولهذا صار القول الراجح وجوب زكاة الحلي وهو مذهب أبي حنيفة، ولكن بشرط أن يبلغ النصاب.

فإن قلت: ظاهر هذا الحديث أنه لا يشترط بلوغ النصاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ "، والسواران في الغالب لا يبلغان عشرين مثقالًا، فاختلف الجواب في ذلك، فقال الثوري رحمة الله: تضمه إلى ما عندها حتى يبلغ النصاب.

وبعضهم قال: إن في بعض ألفاظ الحديث: "سواران غليظان"، والسوار الغليظ قد يبلغ؛ لأن الغليظ معناه: المتين، وهذا يبلغ.

ومنهم من قال: إن هذا مطلق أو مجمل مبين بالأحاديث الدالة على أنه لا زكاة قي الذهب حتى يبلغ النصاب، ومنه حديث أم سلمة في رواية أبي داود حيث اشترط أن يبلغ ما يزكى.

القول الثالث في المسألة: أن الزكاة واجبة في الحلي قليلًا كان أو كثيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>