أعطيناه ذهب يشتري ما لا ينفعه، ففي هذه الحال نسدد نحن عنه، فهذا الغارم لنفسه يشترط في الغارم لنفسه الاَّ يكون عنده ما يوفي به، فإن كان عنده ما يوفي به لم نعطه ولم نسدد عنه؛ لأن الذي عنده ما يوفي به ليس بغارم حقيقة إذا شاء أخذ المال الذي عنده ووفى ما عليه، إذن الغارم لنفسه يشترط لإعطائه من الزكاة ألا يوجد عنده ما يوفي به.
رجل عليه الغرام خمسمائة درهم فسألناه ما هذا الغرام؟ فقال: اشتريت به دخانًا، فهل نوفي عنه وهو قد تاب توبة نصوحًا؟ نقول: هذا نعطيه إذا غرم في شيء محرم ثم تاب، بل قد يتأكد أن نعطيه؛ لأن في ذلك تأليفًا له، فإذا رأى أن إخوانه المسلمين يعينونه إذا تاب من المحرم نشطت التوبة؛ لأن الإنسان بشر، كل شيء ينشطه وكل شيء يثبطه.
القسم الثاني من الغارمين: الغارم لإصلاح ذات البين، وهل يشترط أن يكون ذلك بين القبائل والجماعات التي يحصل فتنة كبيرة إذا لم يصطلحوا أو يكون حتى بين شخصين لذاتهما؟ المعروف عند أهل العلم أنه يكون بين القبائل التي يحصل بالتنافر بينها فتن، فهذا رجل يحب الخير رأى بين قبيلتين خصامًا ونزاعًا وأن الخصام والنزاع يشتد ويزداد، وخاف إن زاد أو إن ترك يصل إلى حد القتال، فجاء وذهب إلى رؤساء القبيلتين وغرم لهما مالًا، وقال: تعالوا أنتم أعطيكم عشرة آلاف وسامحوا إخوانكم، وقال للآخرين مثل ذلك كم غرام؟ عشرين ألفًا. فقالوا: لا بأس هذا يعطى من الزكاة؛ لأن هذا الرجل الطيب الخير قال لنا: أصلحت بين هاتين القبيلتين على أن أدفع لكل واحدة منهما عشرة آلاف ريال، نحن نشجعه ونقول: جزاك الله خيرًا، ونحن نعطيك من الزكاة؛ لأنك أصلحت ذات البين، وهذا الرجل غرم لإصلاح ذات البين لا لنفسه؛ ولهذا تعطيه من الزكاة ما يدفع به الغرام ولو كان غنيًا، هو عنده مئات الآلاف فيأخذ من الزكاة فإن سدَّد من عنده فهل نعطيه من الزكاة؟ لا، لا نعطيه من الزكاة، لماذا؟ لأنه الآن غير غارم، نعم إن استقرض وأوفى وليس عنده ما يسدده أعطيناه للغرم من جهة ثانية وهي الغرام لنفسه، والحاصل: أن للغارم لإصلاح ذات البين إن سلم المال من نفسه فإنه لا يستحق لماذا؟ لأنه ليس بغارم، اللهم إلا إذا كان مدفوعًا من جهة ولي الأمر، قال له: اذهب وأصلح بين هاتين الطائفتين ولو بمال، ونحن نضمنه لك، فذهب ودفع من ماله؛ فحينئذٍ يعطى لأنه نائب عن الإمام.
السابع:{وفي سبيل الله} أعاد قوله: "في""في سبيل الله" لزيادة تأكيد الظرفية، "سبيل الله" ما هو؟ في الأصل هو الطريق الموصل إلى الله، فيشمل كل عمل صالح لكن المراد به هنا: الجهاد في سبيل الله فقط، لأننا لو حملناه على كل العمل الصالح لفات مقصود الحصر في قوله:{إنما الصدقات للفقراء}، ولأننا لو عممناه لأغلقت أبواب كثيرة من أبواب الخير واعتمد