المخالف ثقة، والحديث الذي معنا- حديث شداد بن أوس- قال البخاري: إنه أصح شيء في الباب، والغريب أن هذا الحديث جعله بعض العلماء من المتواتر؛ لأنه رواه عدد كبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم في إفطار الحاجم والمحجوم، حتى قالوا: إنه من المتواتر، فالإمام أحمد رحمه الله ذهب إلى أن الحديث:"احتجم وهو صائم" وهم، وبعضهم قال: إن الحديث منسوخ بحديث شداد؛ لأن حديث شداد بن أوس كان في السَّنة الثامنة، وحديث ابن عباس كان في عمرة الحديبية، أو عمرة القضاء، فهو سابق، وعلى قاعدة بعض العلماء يقولون: حديث ابن عباس من فعل الرسول، وحديث شداد من قوله وفعله، ولا يعارض قوله، والحكم للقول لا للفعل، وهذه طريقة الشوكاني رحمه الله وجماعة من أهل العلم، ولكن هي ليست بطريقة مرضية عندنا كما سبق لإمكان الجمع، يبقى عندنا حديث آخر هو الذي قد يعارض الحديث الذي نحن الآن بصدده وهو:
٦٣٦ - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:"أوَّل ما كرهت الحجامة للصائم؛ أنَّ جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائمٌ، فمرَّ به النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثمَّ رخَّص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصَّائم، وكان أنسٌ يحتجم وهو صائمٌ". رواه الدَّارقطنيُّ وقوَّاه.
ذكرنا فيما سبق أن حديث ابن عباس كان متقدمًا، هذا على القول بأن الحجامة تفطر، وذكرنا لكم أن هذا هو قول فقهاء الحديث كأحمد بن حنبل، وابن المنذر، وابن خزيمة، وكذلك هو قول الظاهرية، وأنه أرجح من القول بأنه لا يفطر، وذكرنا أيضًا أن هذا هو مقتضى النظر والقياس، قلنا: القياس يقاس على حديث القيء حديث أبي هريرة: "من استقاء عمدًا فليقض"، والعلة الجامعة بينهما: أن كل واحد منهما سبب للضعف، أما مقتضى النظر فلأن الشارع جعل الصائم يكون معتدلًا بالنسبة لشهواته، فلا ينال منها ما يشتهيه، ولا يحرم منها ما يضره فقده، فيكون متوازن الأكل والشرب يغذي البدن، والحجامة بالعكس، والاستقاء كذلك بالعكس، فجعل الشارع الأمر معتدلًا، ثم نقول: بناء على ذلك إن كنت محتاجًا إلى الحجامة- ولا بد- فاحتجم وكل واشرب ولو في رمضان واقض يومًا مكانه، وإن كنت غير محتاج إلى الحجامة فأبق على نفسك قوتها وانتظر حتى تغرب الشمس.