ومنها: جواز الإخبار بالكل عن البعض من قولهم: "إن الناس قد شق عليهم الصيام"؛ لأن الظاهر- والله أعلم- أنه ليس كل الناس يشقُّ عليهم ذلك، فإن الناس يختلفون في التحمل، ويختلفون أيضًا في الجوع وفي العطش، بعض الناس يجوع سريعًا ويعطش سريعًا، وهذا فرد من أفراد كبيرة وهي جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنه بل جواز إقسامه على ذلك، كما سيأتينا في حديث أبي هريرة.
والحديث يدل على أنه ليس كل مجتهد مصيبًا من جهة، ومن جهة أخرى أن من أخطأ في اجتهاده فيجب الإنكار عليه وبيان خطئه، وحينئذٍ نقول: إن العبارة المشهورة عند العلماء: أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد مقيدة بما إذا لم يكن ذلك اجتهادًا مخالفًا للنص، فإن كان مخالفًا للنص فإنه ينكر عليه، لكن ما دامت المسألة محتملة الاجتهاد فإنه لا ينكر؛ إذ ليس اجتهادك أولى بالصواب من اجتهاد الآخر.
٦٤١ - وعن حمزة بن عمرو الأسلميِّ رضي الله عنه أنَّه قال:"يا رسول الله، إنِّي أجد فيَّ قوةً على الصِّيام في السَّفر، فهل عليَّ جناحٌ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رخصةٌ من الله، فمن أخذ بها فحسنٌ، ومن أحبَّ أن يصوم فلا جناح عليه". رواه مسلمٌ. وأصله في المتَّفقٌ عليه من حديث عائشة أنَّ حمزة بن عمرو سأل.
"حمزة بن عمرو" كان كثير الأسفار كما في رواية أخرى: "وكان له ظهر يكريه"؛ معنى "ظهر": إبل يكريها ويذهب بها فهو كثير الأسفار، فيصادفه هذا الشهر رمضان- وهو في السفر-، يقول:"فهل علي جناح" أي: في الصوم؛ لقوله:"قوة على الصيام"، وكأنه رضي الله عنه استفهم هذا الاستفهام لقوله تعالى:{ومن كان مريضًا أو على سفرٍ فعدَّةٌ من أيَّامٍ أخر}[البقرة: ١٨٥]. فجعل الله تعالى فريضة هذا المسافر عدة من أيام أخر، فقال:"هل علي جناح" يعني: إذا صمت هذا هو الأقرب، ويحتمل إذا أفطرت لكنه بعيد؛ لأن هذا معلوم من الآية، والجناح معناه: الإثم، وهو مبتدأ مؤخر، والجار والمجرور خبره مقدم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هي رخصة من الله"، الرخصة في اللغة: السهولة والنعومة، ومنه قولهم:"بنان الرُّخص" يعني: ناعم، والبنان طرف الأصبع فهي في اللغة: السهولة، وفي الشرع قالوا: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، هذا التعريف فيه شيء من الصعوبة، ولو قلنا: إن الشرع واللغة هنا متَّفقٌان لم يكن بعيدًا، وإن الرخصة في الشرع هي: التسهيل بإسقاط الواجب أو إباحة المحرم، إسقاط الواجب مثل: