الأفضل لي أن أصلي أو أقرأ القرآن؟ فنقول: أما بالنظر للعمل من حيث هو عمل فالصلاة أفضل، ولكن بالنسبة لحالك انظر ما هو أصلح لك، قد تكون إذا قمت تصلي يفوتك التدبر والتأمل والخشوع، ويشغلك الشيطان بالوساوس، وإذا جلست تقرأ حصل لك من التأمل والتدبر والتأمل والخشوع ما لم يحصل لك وأنت تصلي، فنقول هنا: القراءة أفضل.
وتقول رضي الله عنها:"وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان"، إذا الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصوم شهر المحرم، مع أنه قال لما سئل: أيُّ الصوم أفضل؟ قال:"شهر الله المحرم"، وهو صلى الله عليه وسلم وإن صام في المحرم لا يستكمله قطعًا؛ لأنها تقول:"ما استكمل صيام شهر قط إلا رمضان".
قالت:"وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان"، وظاهر كلامها حتى في المحرم أنه يصوم في شعبان أكثر من صيامه في المحرم، لماذا؟ قيل: لأن هذا الشهر شهر يغفل فيه الناس بين رجب ورمضان، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون فيه متعبدًا قائمًا، وقيل: بل لأن شعبان في مقدمة يدي رمضان فالصيام فيه بمنزلة الراتبة للصلوات، وقيل: من أجل أن يمرن نفسه على الصوم ليستقبل رمضان، وقد تمرن على الصوم، ولو قال قائل: لأنه يصوم من أجل هذه العلل ولغيرها مما لا نعلمه، لكان له وجه؛ لأن تعدد العلل غير ممتنع، بل تعدد العلل مما يزيد الحكم قوة.
من فوائد الحديث: أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم بحسب المصالح، يؤخذ من قولها:"كان يصوم حتى .... " إلخ.
ومن فوائده: أنه ينبغي للإنسان أن يسوس نفسه في العمل الصالح ويرودها على العمل ويتبع ما هو أنفع.
فإن قلت: كيف نجمع بين هذا الحديث وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل"؟
فالجواب أن يقال: لا تعارض؛ لأننا لا نقول: اترك العمل هكذا، بل نقول: اتركه لعمل آخر لمصلحة لغيره، وأنت إذا تركت العمل الذي تداوم عليه لمصلحة أو لعذر، فكأنك لم تتركه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا" كأنما فعله، وحينئذٍ لا منافاة بين الحديث.
ومن فوائد الحديث: فضيلة الصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر منه حتى يقال: لا يفطر، ومن فضيلته: أن للصوم تطوعًا مقيدًا وتطوعًا مطلقًا، ما معنى مقيد؟ يعني: مخصوص بيوم معين وصوم غير مخصوص بيوم معين، لكن سيأتينا -إن شاء الله- أن بعض الأيام يحرم صومه مفردًا