للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي شيخا فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على قولها: "إن فريضة الله على عباده في الحج ولو لم يجب الحج لقال: لا حج على أبيك، والقدرة بالنسبة للحج ثلاثة أقسام: قدرة بالمال دون البدن، وقدرة بالبدن دون المال، وقدرة بهما جميعًا، القدرة بهما جميعًا توجب على الإنسان أن يحج بنفسه، والقدرة على الحج بالبدن دون المال تسقط، ولكن قد يقول قائل: كيف تقول القدرة بالبدن تسقط؟ كيف إذا كان قادرًا بالبدن يمشي على رجليها؟ نقول: نعم إذا أمكنه ذلك وجب عليه أن يحج، لكن إذا كان لا يستطيع - هو قادر ببدنه لكن ما عنده راحلة، أما بدنه فيستطيع أن يركب وأن يؤدي الشعائر - نقول: فهذا لا يجب عليه الحج.

والثالث: القادر بالمال دون البدن فهذا يقسمه العلماء - رحمهم الله - إلى قسمين: قسم برجي زوال عجزه، وقسم آخر لا يرجي زوال عجزه، قالوا: فلان كان يرجى زوال عجزه، مثل أن يمر زمن الحج وهو مريض مرضًا عاديًّا ويرجى أن يشفي منه ويحج في العام القادم فهذا لا يجب أن يقيم من يحج عنه، بل ولا يصح؛ لأن عجزه مؤقت.

والقسم الثاني: عجز لا يرجى زواله كالعاجز عن الحج لكبر أو مرض لا يرجى برؤه وعنده مال، فهذا يجب عليه أن يقيم من يحج عنه.

فإن قال قائل: من أين أخذتم وجوب الاستنابة؟

فالجواب: من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم المرأة على قولها: "إن فريضة الله على عباده أدركت أبي"، فإذا كان فرضًا عليه ووجد من يقوم مقامه فإنه يلزمه أن يقيم من يقوم مقامه.

فإن قلت: إن هذا الحديث يدل على الجواز؛ لأن المرأة لم تسأل عن الوجوب، وإنما سألت عن الجواز؟

فالجواب: إذا كان جائزًا كان واجبًا؛ لأنه إذا كان جائزًا فمقتضى ذلك أن يصحَّ حج غيره عنه، فإذا قلنا: إنه واجب عليه فإنه يجب أن يقيم من يحج عنه.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجب أن يربط الإنسان على الرّاحلة؛ لقولها: "يسقط" إذ لو وجب لقال: اربطوه عليها، هل مثل ذلك من لا يستطيع الركوب على السيارة لكونه يتقيا ويدوخ؟ نعم مثله، لأن بعض الناس - وقد شاهدته أنا بعيني - إذا ركب على السيارة بدأ يتقيا ويدوخ ولا يشعر بالراحة إلا إذا نزل. لا شك أن هذا مشقة شديدة، بل أشد من تربيط الشيخ الكبير.

ومن فوائد الحديث: جواز حج المرأة عن الرجل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهذه المرأة أن تحج عن أبيها.

ومن فوائده: جواز حج الرجل عن المرأة من باب أولى، وجواز حج المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل

<<  <  ج: ص:  >  >>