قال "أرأيت؟ " يعني: أخبريني، "لو كان على أمك دين أكنت قاضيته"، فستقول: نعم، فهذا استفهام للتقرير يعني: يقرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة بأمر تقرّ به ولا تنكره، وهو أنه لو كان على أمها دين لقضته، وقوله:"أرأيت" يمر علينا كثيرًا مثل هذا التعبير، ونقول: إنه بمعنى أخبريني، لكن كيف يتفق مع تصريفه؟ يقول: إذا قال: أرأيت؟ يستفهم هل رأى ثم يطلب منه أن يخبره بما رأى في قوله:"أكنت قاضيته؟ "، مثلًا في هذا الحديث:{أرءيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصركم وختم على قلوبكم من إله ... }[الأنعام: ٤٦]. يعني: أخبروني بعد أن تروا هذا الشيء من إله غير الله يأتيكم به؛ فلهذا يقول العلماء: إن "أرأيت؟ " بمعنى: أخبرني، الواقع أنه ليس معناها بالتحديد؛ لأن الرؤية لا تأتي بمعنى الإخبار؛ لأنه إذا جاء الاستفهام بعد أرأيت؟ فهو طلب الإخبار، يعني: هل رأيت هذا أن كنت قد رأيت فأخبرني عنه، فيفسرونها - رحمهم الله - بما يلزم أو بما يطلب من هذه الرؤية.
وقوله:"اقضوا الله"، هذا أمر، "فالله أحق بالوفاء"، يعني: إذا كان الأدمي يوفَّى حقه فالله أحق بالوفاء.
من فوائد الحديث: قوله: "امرأة من جهينة"، هذه مجهولة ولكن جهالتها لا تضر؛ لأن ذلك لا يؤثر في الحكم شيئًا؛ لأن المرأة إذا جاءت تستفتي سواء كانت صغيرة أو كبيرة أو قصيرة أو طويلة كل هذه الأوصاف لا تهم.
ومن فوائد الحديث: أن صوت المرأة ليس بعورة، لأنها جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يسمعون.
ومن فوائد الحديث: جواز النّذر، لكن قد يقول قائل: الرسول صلى الله عليه وسلم ما أقر الناذرة، فلو أنها قالت: إني نذرت لكنَّا نقول: أن في الحديث دليل على جواز النّذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها لكن هي تخبر عن فعل غيرها وأيضًا هذا الغير قد مات فكيف ينهى؟ فالجواب عن ذلك: أن ترتيب الحكم على هذا قد يشعر بالجواز؛ لأن هذه السائلة سوف تفهم إذا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم، لماذا نذرت، أي: سوف تفهم أن النذر جائز، ولكنا نقول: هذا الحديث وإن دل على جواز النذر والدلالة كما ترون ليست واضحة فإن هناك أدلة صريحة للنهي عن النَّذر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال:"إنه لا يأتي بخير"()، ومعلوم من القواعد التي تمر بنا كثيرًا أن ما كان محكمًا لاشتباه فيه فهو قاضٍ على المشتبه، فنقول: هنا أن النذر مكروه، ونأخذه من دليل آخر غير هذا الحديث.