للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكم، فإذا قدر أن المرأة لم تخل برجل لكن خلا بها رجلان فاجران فهذا أشد؛ لأن الفتنة هنا متحققة أكثر؛ ولهذا قال: من يأمن الذئبين على الشاة الواحدة، إذا كان الذئب الواحد لا يؤمن فالذئبان من باب أولى، أما إذا انتقت الفتنة وزال المحظور فهذا لا بأس به وإذا كان رجل مع امرأتين فالخلوة لا شك منتفية هل الحكم يزول؟ نعم يزول الحكم، لكنه أن خيفت الفتنة جاء الحكم من طريق آخر ولكن خلوة الرجل بامرأتين أهون من خلوة الرجلين بامرأة.

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إلا ومعها ذو محرم"، كلمة "محرم" عامة تشمل الصغير والكبير، لكن أهل العلم قالوا: لابد أن يكون بالغا، ولابد أن يكون عاقلًا، وأخذوا هذا الشرط التماسًا من الحكمة في وجوب المحرم، الحكمة من وجوب المحرم: الحفاظ على المرأة وصيانتها وحمايتها، إذا كان كذلك فلابد أن تتوافر فيه الشروط، فيكون بالغًا عاقلًا، هل يشترط أن يكون بصيرًا؟ الفقهاء لم يشترطوا ذلك، ولعلهم يعللون هذا بأن الرجل الذي معها ومع محرمها قد يهاب المحرم وإن كان حماية هذا الأعمى لمحرمه ضعيفة بلا شك؛ إذ قد يشير أو يضحك أو يغمز وهذا المحرم لا يدري، لهذا نقول: ينبغي أن نشترط أن يكون بصيرًا حيث دعت الضرورة إلى كونه، هل يشترط أن يكون سميعًا؟ الظاهر أنه لا يشترط.

قال: "ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، وهذه "لا"، ناهية، ولما كانت هنا جازمة للفعل صار قولنا - فيما سبق -: "لا يخلون" جملة نهي أصح أو أقرب؛ لأن هذه الجملة معطوفة على ما سبق، وقوله: "لا تسافر المرأة"، السفر مفارقة الإقامة سواء كنت في بلد أو كنت في مكان، ولنفرض أنه بدوي في البر ساكن بخيمته فسفره مفارقة محل الإقامة، فالسفر إذن هو مفارقة محل الإقامة، وسمي سفرًا؛ لأنه يسفر عن الإنسان حيث يبرز بعد الخفاء، وقال بعض الأدباء: إنما سمي السفر سفرًا؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، كم من إنسان لا تدري عن خلقه وعن صدقه وعن شهامته وعن رجولته إلا إذا سافرت معه، ولكن المراد: السفر المعروف سابقًا، أما سفر اليوم فإنك لا تعرف به أخلاق الرجال؛ لأن السفر اليوم يتم عبر الطائرات فأنت تسافر ويكون بجانبك رجل مسافر، ولا تدري عن هذا الرجل هل هو شهم كريم يخدم قومه يريحهم أو لا، صحيح أنك إذا جلست إليه وتحدثت إليه ربما تفهم شيئا من خلقه، لكن هذا يحصل حتى في القهوة، لكن في الزمن السابق لما كان الناس يسافرون على الإبل مسافات طويلة فيها تعب صار الناس يعرفون، قال أحدهم - أظنه نافعًا -: "صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني" ().

<<  <  ج: ص:  >  >>