"لا يلبس القميص" ما هو القميص؟ الثوب ثيابنا هذه هي القميص، "ولا العمائم" القميص على البدن والعمائم على الرأس، "ولا السراويلات" على جزء من البدن، "ولا البرانس" على كل البدن لأن البرانس ثياب لها قبع متصل بها ليغطى به الرأس، ولعلكم تشاهدونه في المغاربة الذين يأتون إلى الحج، "ولا الخفاف" لباس الرجل، ثم استثنى -عليه الصلاة والسلام-.
تأمل المحظورات الآن خمسة التي لا تلبس ما عداها يلبس إلا ما كان بمعناها فإن الشرع لا يفرق بين متماثلين فما كان بمعناها فله حكمها، "القميص" ما الذي بمعناه؟ الفانيلة قريبة من القميص، الزبون قريب من القميص، وما أشبه ذلك، "العمائم" نظيرها الغترة، "السراويلات" معروفة، لكن السراويل ظاهر الحديث العموم وأنه لا فرق بين السراويلات ذوات الأكمام الطويلة أو القصيرة، "البرانس" يمكن أن نقول: أقرب شيء لها المشلح، "الخفاف" مثلها الجوارب، لأنه لا فرق، والجوارب هي الشراب، ما عدا ذلك فهو حلال، فلننظر الآن هل يلبس الساعة؟ نعم؛ لأنها لا تدخل في هذا ولا في معناه، هل يلبس النظارة؟ نعم، يلبس سماعة الأذن، يلبس الخاتم، يلبس الكمار، يلبس العلاقية التي يكون فيها الحوائج، إذن كل شيء يلبسه إلا ما كان بمعنى هذه الأشياء.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين"، "إلا أحد" يعني: من الرجال لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وإذا قيل:"لا يجد كذا" فالمراد: لا يجده بعينه ولا يجد ما يحصل به؛ يعني: فإذا كان ليس عنده نعال، لكن عنده دراهم يشتري نعالًا نقول: اشتر نعالًا، فإذا كان معه دراهم ولا يجد نعالًا يشتريها فليلبس الخفين، لكن هنا قال:"وليقطعهما أسفل من الكعبين" يعني: يقطع الخفين حتى تكون أسفل من الكعبين لئلا تكون خفًا كاملًا.
ولكن هذا الحديث قلت: إنه قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة قبل أن يخرج إلى الحج، وفي حديث ابن عباس وليت المؤلف ذكره رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عرفة فقال:"من لم يجد نعلين فللبس الخفين، ومن لم يجد أزارًا فليلبس السراويل"، وأطلق، وهذا يدل على أن الحكم الأول نسخ؛ لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك في مجمع أكبر من مجمع المدينة وفي زمن متأخر، والذين سمعوه يوم عرفة ليس كلهم سمعوه في المدينة وسيأخذون الحديث على إطلاقه بدون أمر بقطع، ولو كان القطع واجبًا لكان بيانه في عرفة واجبًا، لأن الناس سيأخذونه على الإطلاق، وهذا القول هو الصحيح على ما في القطع من إضاعة المال؛ لأنه لما جاء ما يدل على النسخ صار قطعه إضاعة للمال، ولهذا حرم بعض العلماء قطع الخف وقال إنه لما نسخ كان في قطعه إفساد وهو إضاعة للمال.