على خطر أنه يفهم عباد الله أو يأتي بلفظ يوهم ما لا يراد، نعم لو أنه قال: إن المحرم لبس المخيط وشرحه شرحًا وافيًا لسلم.
نعود مرة ثانية إلى الحديث يقول:"لا يلبس القميص"، لو استعمل القميص على غير وجه اللبس مثل أن ارتدى به أو ائتزر به فيجوز ذلك؛ ولهذا بعض الناس إذا ركب في الطائرة وكانت إحراماته في العفش قال: ما عندي ثوب إحرام كيف أحرم؟ فأصبر إلى أن أصل إلى جدة وأخرج ثياب الإحرام وأحرم. نقول: هذا خطأ لا يجوز، ويمكنك أن تحرم بثيابك هذه، إن كنت من الذين يلبسون الغتر اجعل الغترة إزارًا واخلع القميص وإن كنت من الناس الذين ليس معهم غترة اجعل الثوب إزارًا اخلع القميص وتلفع به ثم اخلع السروال ويكون القميص إزارًا، لكن المشكل إذا كنت ممن يلبسون البنطلون ولا غترة عليك، نقول: أحرم ويبقى عليك الثوب، انزع البنطلون ويبقى عليك السروال، ولا شيء عليك؛ لأن الرسول يقول:"من لم يجد إزارًا فليلبس السراويل" ولا مانع من أن يبقى عليه البنطلون للحديث أيضًا.
بقي عندنا إذا لم يمكن هذا بأي حال من الأحوال مثل ألا يكون معه إلا قميص، وليس على رأسه شيء، وليس معه سروال ماذا يصنع؟ نقول: إذا أمكن أن يحرم به بدون كشف عورة بحيث يدخل مثلًا في حمام الطائرة ويخلعه ويجعله إزارًا فعل وإن لم يمكن نوى الإحرام ولو كان عليه هذا الثوب، والمسألة بسيطة يصوم ثلاثة أيام على رأي أهل العلم أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يذبح شاة، وسيأتي -إن شاء الله- ذكر الكلام على اللباس المخيط أو لبس هذه الأشياء هل يلزمه فدية إذا لبسها أو لا يلزمه.
يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على العلم والبحث لقوله:"سئل ما يلبس المحرم".
ومن فوائده أيضًا: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وأن تعليمه قد بلغ الغاية في الفصاحة؛ لأنه سئل عما يلبس المحرم فأجاب بما لا يلبس، ذلك الجواب المتضمن لبيان ما لا يلبس مع الاختصار.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جوامع الكلم كما قال صلى الله عليه وسلم: "أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارًا". كيف ذلك؟ لأنه أجاب بجواب بين مفصل مع الاختصار -لو أراد أن يعدد ما يلبسه المحرم يتعب؛ لأن الأشياء أنواع كثيرة التي تلبس سوى هذه الخمسة.