في هذه المسألة حيث قال: إن النفساء يجوز لها أن تطوف بالبيت بخلاف الحائض، قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لأسماء: لا تطوفي بالبيت وقاله لعائشة، والجواب على هذا سهل أن نقول: إن أسماء إنما أرادات أن تسأل عما تصنع الآن، وبينهما وبين مكة والوصول للبيت مفاوز بخلاف عائشة فإن ذلك كان بسرف قريبة من مكة، قال:"اغتسلي واستثفري بثوب" يعني: تلجمي به، ويسمى باللغة الحاضرة: التحفض؛ يعني: تضع على فرجها شيء لأجل أن تمنع الخارج عند الاغتسال.
قال:"وأحرمي"، وأطلق الإحرام؛ لأنه في ذي الحليفة أحرم الناس على الوجوه الثلاثة التي سبق في حديث عائشة بحج وعمرة وبهما.
يقول:"وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به"؛ يعني: لما اقترب من الحديبية أهلّ بالتوحيد أي رفع صوته بالتوحيد قائلاً: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، رفع صوته بهذه الكلمات العظيمة التي سمّاها جابر توحيدًا؛ لأنه تضمنت التوحيد والإخلاص. قال:"لبيك اللهم لبيك" هذا حرف جواب للداعي؛ ولهذا حتى الآن إذا دعاك شخص فقلت:"لبيك" يعني: أجبت دعوته، ولكن التثنية هنا يراد بها مطلق التكرار لا حصره، فهي بمعنى إجابة بعد إجابة؛ وهي منصوبة على الفعل المطلق المحذوف عامله، يعني: ألبي لك تلبية بعد تلبية، وقوله:"اللهم" يعني: يا الله، فهي منادى حذفت منها ياء النداء وعوض عنها الميم، وقوله:"لبيك" من باب التوكيد؛ لأن المقام مقام عظيم ينبغي فيه توكيد القول، "لبيك لا شريك لك لبيك" هذا توكيد آخر "لا شريك لك" في أي شيء؟ في كل شيء، فلا شريك لله تعالى في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، ولا يستثنى من ذلك شيء؛ لأن الله لا يشركه أحد في هذا أبدًا، ثم ثال:"إن الحمد والنعمة لك والملك"، "إنّ" أفصح وأعم من "أنّ" وإلا فإن بعض النحويين أجاز الفتح، والصواب الكسر لأنه أعم؛ لأن "إنّ" هنا اسئنافية، لكن "أنّ" تعليلية، كأنه لو قال:"أنّ الحمد والنعمة لك" كأنه يقول بناء على ذلك: أن الحمد والنعمة لك، مع أن الله تعالى يحمد على كل شيء فهي أعم، "إنّ الحمد والنعمة لك"، "الحمد" وصف المحمود بالكمال على كماله وعلى إنعامه، والنعمة: العطاء، وكل ذلك لله وحده، فالمنعم هو الله، والمحمود هو الله، هو المستحق لذلك وحده، ولذلك قال:"والملك"، لله أيضًا ملك الذوات والأعيان وملك التصرف والأفعال، فالله مالك للسموات والأرض في أعيانها والتصرف فيهما، قال:"لا شريك لك" أي: في ملكك ولا في نعمتك ولا في الحمد الذي تستحقه، كانوا في الجاهلية يلبون بنحو هذه التلبية، لكن يقولون:"لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك"، ما دام أنه له ومملوك فكيف