للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهت، لكن الآن عبادة فأكملت الأشواط الثلاثة فصار الرّمل من الحجر إلى الحجر، هل أنا أذكر في هذه الحال حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قدموا في عمرة القضاء، أو أنني أذكر المعنى الأصلي المقصود وهو إغاظة الكفار، أو الأمرين؟ إذا تذكرت الأمرين فهو خير؛ يعني: أتذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأقتدي بهم، وأيضًا أتذكر أن من شأن المسلم أن يفعل ما يغيظ الكفار.

ثم قال: "فرمل ثلاثًا ومشى أربعًت"، وجعل المشي في الأربعة إبقاء على أصحابه حتى لا يتعبوا من الطواف في جميع البيت على وجه الرمل.

"ثم أتى مقام إبراهيم" وهو الذي قام عليه حين بناء الكعبة، فإن الكعبة لما ارتفع بناؤها احتاجت إلى شيء يقوم عليه حتى يدرك أعلى البناء وهو حجر، وهذا الحجر جعل الله فيه آية وهي أثر قدمي إبراهيم، وقد شهده أوائل هذه الأمة، ولكنه انمحى بكثرة مسه من الناس انمحى وزال، وقد أشار إلى هذا أبو طالب في قوله: [الطويل]

ومواطئ إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافسًا غير ناعل

تقدم إلى مقام إبراهيم يقول: "فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} " لم يذكرها المؤلف، حذف المؤلف لهذه الآية حذف مخل رحمه الله، وكان عليه أن يقولها؛ لأنها من صفة الحج، فإنه يسن للإنسان إذا فرغ من الطواف أن يتقدم إلى مقام إبراهيم وأن يقرأ الآية، وفائدة قراءتها: شعور الإنسان بأنه يتقدم إلى هذا المقام فيصلي به امتثالاً لأمر الله عز وجل، ولا شك أن شعور الإنسان حين يفعل العبادة بأنه يفعلها امتثالاً لأمر الله أن هذا يزيد في إيمانه بخلاف الذي يفعل العبادة وهو غافل عن هذا المعنى، فإن العبادة تكون كالعادة؛ ولهذا قال المتكلمون عن النيات: إن النية نوعان: نية العمل، ونية المعمول له، والأخيرة أعظم مقامًا من الأولى، لأن نية العمل تأتي ضرورة، فما من إنسان عاقل يقوم بعمل إلا وقد نواه وقصده، حتى قال بعض العلماء: لو كلَّفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما يطاق، فالمقام الأسمى والأعلى نية المعمول له التي تغيب عنا كثيرًا، لو أننا عندما نتوضأ نشعر بالإخلاص والمتابعة فكيف نتذكر؟ نتذكر أن الله أمرنا بالوضوء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦]. هذا الإخلاص، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ أمامنا هذا هو المتابعة؛ إذن إذا فرغت من الطواف تقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥].

فيستفاد من هذا: أنه ينبغي إذا فرغ من الطواف أن يتقدم فورًا إلى مقام إبراهيم بدون تأخر ويقرأ هذه الآية، كلمة "تقدم إلى مقام إبراهيم" هل تشعر بأن المقام في مكانه الحالي أو يحتمل أنه في مكانه كما قيل الذي عند باب الكعبة؟ الحقيقة أنها لا يستفاد منها ولا هذا؛ لأن التقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>