في كلا الأمرين إن كان في مكانه الآن فهو يتقدم، إن كان كما قيل: إنه لاصق بالكعبة فهو أيضًا يتقدم، المقام اختلف المؤرخون فيه هل هو في مكانه الحالي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنه كان لاصقًا بالكعبة وأخّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كثر الناس وكثر الطائفون الذين يطوفون بين يدي المصلين؟ وأكثر المؤرخون على أنه في مكانه الحالي وأنه لم يجر فيه تغيير.
قال:"ثم رجع إلى الركن فاستلمه" أي: بعد أن صلى ركعتين، واعلم أن المشروع في هاتين الركعتين التخفيف، وأن يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وأنه ليس قبلهما دعاء، ولا بعدهما دعاء والحكمة من تخفيفهما: أن تفسح المجال لمن هو أحق منك، فالناس ينتهون من اطواف أرسالاً، فإذا انتهى الطائفون وأنت حاجز المكان تطيل الصلاة، فمعناه: أنك حجزت مكانًا لمن هو أحق منك فلا تطل الصلاة، ثم إنه قد يكون المطاف مزدحمًا فيحتاج الطائفون إلى المكان الذي أنت فيه أيضًا، فمن ثم خفف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة واختار أن يقرأ بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ لأن إمام الحنفاء هو صاحب هذا المقام وهو إبراهيم الذي قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل: ١٢٣]. بعد الركعتين لا يدعو وهل للمقام دعاء؟ إني وجدت كتابًا مكتوب فيه "دعاء المقام"، مكتوب مطبوع بحرف جيد، فهذا ليس له أصل، لا يوجد دعاء للمقام ولا دعاء قبل الركعتين ولا بعدهما، ولكن المشكل أن مثل هذه البدع صارت كأنها قضايا مسلمة مشروعة، حتى إن الحاج يرى أن حجه ناقص إن لم يفعل هذا، وكل هذا بسبب تقصير العلماء أو قصورهم، وإلا فمن الممكن أن يعطى هؤلاء الحجاج مناسك من بلادهم، يقول:"ثم رجع إلى الركن فاستلمه" الركن؛ يعني: الحجر الأسود.
وفيه: استحباب الرجوع إلى الركن بعد الركعتين لاستلامه، فإن لم يتمكن فلا إشارة؛ لأن العبادات مبنية على النقل فقط، فإذا لم يتمكن فلا إشارة؛ لأن ذلك لم يرد، ولهذا قلنا: إن الركن اليماني إذا لم يستطع استلامه فإنه لا يشير إليه فيكون هنا استلام بلا تقبيل ولا إشارة عند التعذر.
قال:"ثم خرج إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ابدءوا بما بدأ الله به"؛ قوله: "قرأ: {إِنَّ الصَّفَا} فائدة القراءة بهذه الآية إشعار نفسه بأنه إنما اتجه إلى السعي امتثالاً لما أرشد الله إليه في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة: ١٥٨]. وليعلم الناس أنهم يسعون بين الصفا والمروة من أجل أنهما من شعائر الله، وليعلم الناس أيضًا أنه ينبغي للإنسان إذا فعل عبادة أن يشعر نفسه بأنه يفعلها طاعة لله عز وجل كما لو توضأ الإنسان